ذَكَرَ جَلَّ وَعَلَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ أَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَهُمُ الْكُفَّارُ، وَلَوْ كَانَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ، لَفَدَوْا أَنْفُسَهُمْ بِهِ مِنْ سُوءِ الْعَذَابِ الَّذِي عَايَنُوهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَبَيَّنَ هَذَا الْمَعْنَى فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ وَصَرَّحَ فِيهَا بِأَنَّهُ لَا فِدَاءَ الْبَتَّةَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ افْتَدَى بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ [٣ \ ٩١] . وَقَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذَابِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ [٥ \ ٣٦ - ٣٧] وَقَوْلِهِ تَعَالَى: فَالْيَوْمَ لَا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلَا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلَاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ [٥٧ \ ١٥] . وَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لَا يُؤْخَذْ مِنْهَا أُولَئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِمَا كَسَبُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ [٦ \ ٧٠] . وَقَوْلِهِ وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ أَيْ: وَإِنْ تَفْتَدِ كُلَّ فِدَاءِ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ الْآيَةَ [٢ \ ٤٨] . وَقَوْلِهِ: وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ الْآيَةَ [٢ \ ١٢٣] ، وَالْعَدْلُ الْفِدَاءُ. وَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ [١٣ \ ١٨] .
وَقَدْ قَدَّمْنَا طَرَفًا مِنْ هَذَا فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ، فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ افْتَدَى بِهِ الْآيَةَ [٣ \ ٩١] .
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا. قَوْلُهُ: وَبَدَا لَهُمْ أَيْ: ظَهَرَ لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا، أَيْ: جَزَاءُ سَيِّئَاتِهِمُ الَّتِي اكْتَسَبُوهَا فِي الدُّنْيَا، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَطْلَقَ السَّيِّئَاتِ هُنَا مُرَادًا بِهَا جَزَاؤُهَا.
وَنَظِيرُهُ مِنَ الْقُرْآنِ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا [٤٢ \ ٤٠] .
وَنَظِيرُ ذَلِكَ أَيْضًا إِطْلَاقُ الْعِقَابِ، عَلَى جَزَاءِ الْعِقَابِ، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ذَلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ الْآيَةَ [٢٢ \ ٦٠] .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute