وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ; أَيْ: مِثْلَيْ عَذَابِ الْحَيَاةِ فِي الدُّنْيَا وَمِثْلَيْ عَذَابِ الْمَمَاتِ فِي الْآخِرَةِ، وَبِهَذَا جَزَمَ الْقُرْطُبِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْمُرَادُ بِضِعْفِ عَذَابِ الْمَمَاتِ: الْعَذَابُ الْمُضَاعَفُ فِي الْقَبْرِ. وَالْمُرَادُ بِضِعْفِ الْحَيَاةِ: الْعَذَابُ الْمُضَاعَفُ فِي الْآخِرَةِ بَعْدَ حَيَاةِ الْبَعْثِ، وَبِهَذَا جَزَمَ الزَّمَخْشَرِيُّ وَغَيْرُهُ. وَالْآيَةُ تَشْمَلُ الْجَمِيعَ.
وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ هُنَا مِنْ شِدَّةِ الْجَزَاءِ لِنَبِيِّهِ - لَوْ خَالَفَ - بَيَّنَهُ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ ; كَقَوْلِهِ: وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ الْآيَةَ [٦٩ \ ٤٤ - ٤٦] .
وَهَذَا الَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الْآيَةُ مِنْ أَنَّهُ إِذَا كَانَتِ الدَّرَجَةُ أَعْلَى كَانَ الْجَزَاءُ عِنْدَ الْمُخَالَفَةِ أَعْظَمَ - بَيَّنَهُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ ; كَقَوْلِهِ: يَانِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ الْآيَةَ [٣٣ \ ٣٠] .، وَلَقَدْ أَجَادَ مَنْ قَالَ:
وَكَبَائِرُ الرَّجُلِ الصَّغِيرِ صَغَائِرُ ... وَصَغَائِرُ الرَّجُلِ الْكَبِيرِ كَبَائِرُ
تَنْبِيهٌ
هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ أَوْضَحَتْ غَايَةَ الْإِيضَاحِ بَرَاءَةَ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مُقَارَبَةِ الرُّكُونِ إِلَى الْكُفَّارِ، فَضْلًا عَنْ نَفْسِ الرُّكُونِ ; لِأَنَّ لَوْلَا [١٧ \ ٧٤] حَرْفُ امْتِنَاعٍ لِوُجُودٍ ; فَمُقَارَبَةُ الرُّكُونِ مَنَعَتْهَا لَوْلَا الِامْتِنَاعِيَّةُ لِوُجُودِ التَّثْبِيتِ مِنَ اللَّهِ جَلَّ وَعَلَا لِأَكْرَمِ خَلْقِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَصَحَّ يَقِينًا انْتِفَاءُ مُقَارَبَةِ الرُّكُونِ فَضْلًا عَنِ الرُّكُونِ نَفْسِهِ. وَهَذِهِ الْآيَةُ تُبَيِّنُ مَا قَبْلَهَا، وَأَنَّهُ لَمْ يُقَارِبِ الرُّكُونَ إِلَيْهِمُ الْبَتَّةَ ; لِأَنَّ قَوْلَهُ: لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا [١٧ \ ٧٤] ، أَيْ قَارَبْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ - هُوَ عَيْنُ الْمَمْنُوعِ بِـ لَوْلَا الِامْتَنَاعِيَّةِ كَمَا تَرَى، وَمَعْنَى تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ: تَمِيلُ إِلَيْهِمْ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ
الْآيَةَ، قَدْ بَيَّنَّا «فِي سُورَةِ النِّسَاءِ» : أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ الْكَرِيمَةَ مِنَ الْآيَاتِ الَّتِي أَشَارَتْ لِأَوْقَاتِ الصَّلَاةِ ; لِأَنَّ قَوْلَهُ: لِدُلُوكِ الشَّمْسِ [١٧ \ ٧٨] أَيْ لِزَوَالِهَا عَلَى التَّحْقِيقِ، فَيَتَنَاوَلُ وَقْتَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ ; بِدَلِيلِ الْغَايَةِ فِي قَوْلِهِ: إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ ; أَيْ ظَلَامِهِ، وَذَلِكَ يَشْمَلُ وَقْتَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ. وَقَوْلُهُ: وَقُرْآنَ الْفَجْرِ، أَيْ صَلَاةَ الصُّبْحِ، كَمَا تَقَدَّمَ إِيضَاحُهُ وَأَشَرْنَا لِلْآيَاتِ الْمُشِيرَةِ لِأَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ ; كَقَوْلِهِ: وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ الْآيَةَ [١١ \ ١١٤] ، وَقَوْلِهِ: فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ الْآيَةَ [٣٠ \ ١٧] . وَأَقَمْنَا بَيَانَ ذَلِكَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute