مَا تَضَمَّنَتْهُ هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ مِنْ إِنْكَارِ الْبَعْثِ، وَتَكْذِيبِ اللَّهِ لَهُمْ فِي ذَلِكَ، قُدِّمَ مُوَضَّحًا فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ فِي «الْبَقَرَةِ» وَ «النَّحْلِ» وَغَيْرِهِمَا.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ، أَيْ: تَمَزَّقَتْ أَجْسَادُكُمْ وَتَفَرَّقَتْ وَبَلِيَتْ عِظَامُكُمْ، وَاخْتَلَطَتْ بِالْأَرْضِ، وَتَلَاشَتْ فِيهَا. وَقَوْلُهُ عَنْهُمْ: إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ، أَيِ: الْبَعْثُ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَهُوَ مَصَبُّ إِنْكَارِهِمْ قَبَّحَهُمُ اللَّهُ، وَهُوَ جَلَّ وَعَلَا يَعْلَمُ مَا تَلَاشَى فِي الْأَرْضِ مِنْ أَجْسَادِهِمْ وَعِظَامِهِمْ ; كَمَا قَالَ تَعَالَى: قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِنْدَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ [٥٠ \ ٤] .
قَوْلُهُ تَعَالَى: أَفَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ. مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ مِنْ تَوْبِيخِ الْكُفَّارِ، وَتَقْرِيعِهِمْ عَلَى عَدَمِ تَفَكُّرِهِمْ وَنَظَرِهِمْ إِلَى مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ، وَمَا خَلْفَهُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، لِيَسْتَدِلُّوا بِذَلِكَ عَلَى كَمَالِ قُدْرَةِ اللَّهِ عَلَى الْبَعْثِ، وَعَلَى كُلِّ شَيْءٍ، وَأَنَّهُ هُوَ الْمَعْبُودُ وَحْدَهُ، جَاءَ مُوَضَّحًا فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ ; كَقَوْلِهِ تَعَالَى: أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ [٥٠ \ ٦ - ٨] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ [٧ \ ١٨٥] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ [١٢ \ ١٠٥] ، وَالْآيَاتُ بِمِثْلِ ذَلِكَ كَثِيرَةٌ مَعْرُوفَةٌ.
وَقَالَ ابْنُ كَثِيرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ: قَالَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، أَخْبَرْنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ: أَفَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ [٣٤ \ ٩] ، قَالَ: إِنَّكَ إِنْ نَظَرْتَ عَنْ يَمِينِكَ، أَوْ عَنْ شِمَالِكَ، أَوْ مِنْ بَيْنِ يَدَيْكَ، أَوْ مَنْ خَلْفِكَ، رَأَيْتَ السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ. ذَكَرَ جَلَّ وَعَلَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ أَمْرَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ إِنْ شَاءَ خَسَفَ الْأَرْضَ بِالْكُفَّارِ، خَسَفَهَا بِهِمْ لِقُدْرَتِهِ عَلَى ذَلِكَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute