للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

تَعَالَى: إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ [٥ \ ٩١] أَيِ: انْتَهُوا. وَلِذَا قَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: انْتَهَيْنَا يَا رَبُّ. وَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ الْآيَةَ [٣ \ ٢٠] أَيْ: أَسْلِمُوا. وَقَدْ تَقَرَّرَ فِي فَنِّ الْمَعَانِي أَنَّ فِي الْمَعَانِي الَّتِي تُؤَدَّى بِصِيغَةِ الِاسْتِفْهَامِ: الْأَمْرُ، كَمَا ذَكَرْنَا.

وَقَوْلُهُ: شَاكِرُونَ شُكْرُ الْعَبْدِ لِرَبِّهِ: هُوَ أَنْ يَسْتَعِينَ بِنِعَمِهِ عَلَى طَاعَتِهِ، وَشُكْرُ الرَّبِّ لِعَبْدِهِ: هُوَ أَنْ يُثِيبَهُ الثَّوَابَ الْجَزِيلَ مِنْ عَمَلِهِ الْقَلِيلِ. وَمَادَّةُ «شَكَرَ» لَا تَتَعَدَّى غَالِبًا إِلَّا بِاللَّامِ، وَتَعْدِيَتُهَا بِنَفْسِهَا دُونَ اللَّامِ قَلِيلَةٌ، وَمِنْهُ قَوْلُ أَبِي نُخَيْلَةَ:

شَكَرْتُكَ إِنَّ الشُّكْرَ حَبْلٌ مَنِ الْتُّقَى ... وَمَا كُلُّ مَنْ أَوْلَيْتَهُ نِعْمَةً يَقْضِي

وَفِي قَوْلِهِ: لِتُحْصِنَكُمْ ثَلَاثُ قِرَاءَاتٍ سَبْعِيَّةٌ: قَرَأَهُ عَامَّةُ السَّبْعَةِ مَا عَدَا ابْنَ عَامِرٍ وَعَاصِمًا لِيُحْصِنَكُمْ بِالْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ التَّحْتِيَّةِ، وَعَلَى هَذِهِ الْقِرَاءَةِ فَضَمِيرُ الْفَاعِلِ عَائِدٌ إِلَى دَاوُدَ أَوْ إِلَى اللَّبُوسِ؛ لِأَنَّ تَذْكِيرَهَا بِاعْتِبَارِ مَعْنَى مَا يُلْبَسُ مِنَ الدُّرُوعِ جَائِزٌ. وَقَرَأَهُ ابْنُ عَامِرٍ وَحَفَصٌ عَنْ عَاصِمٍ لِتُحْصِنَكُمْ بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاةِ الْفَوْقِيَّةِ، وَعَلَى هَذِهِ الْقِرَاءَةِ فَضَمِيرُ الْفَاعِلِ رَاجِعٌ إِلَى اللَّبُوسِ وَهِيَ مُؤَنَّثَةٌ، أَوْ إِلَى الصَّنْعَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي قَوْلِهِ: صَنْعَةَ لَبُوسٍ وَقَرَأَهُ شُعْبَةُ عَنْ عَاصِمٍ لِنُحْصِنَكُمْ بِالنُّونِ الدَّالَّةِ عَلَى الْعَظَمَةِ وَعَلَى هَذِهِ الْقِرَاءَةِ فَالْأَمْرُ وَاضِحٌ.

قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ.

قَوْلُهُ: وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ [٢١ \ ٨١] مَعْطُوفٌ عَلَى مَعْمُولِ «وَسَخَّرْنَا» ، فِي قَوْلِهِ: وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُدَ الْجِبَالَ [٢١ \ ٧٩] أَيْ: وَسَخَّرْنَا لِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ فِي حَالِ كَوْنِهَا عَاصِفَةً، أَيْ: شَدِيدَةَ الْهُبُوبِ. يُقَالُ: عَصَفَتِ الرِّيحُ أَيِ: اشْتَدَّتْ، فَهِيَ رِيحٌ عَاصِفٌ وَعَصُوفٌ، وَفِي لُغَةِ بَنِي أَسَدٍ (أَعْصَفَتْ) فَهِيَ مُعْصِفٌ وَمُعْصِفَةٌ، وَقَدْ قَدَّمْنَا بَعْضَ شَوَاهِدِهِ الْعَرَبِيَّةِ فِي سُورَةِ (الْإِسْرَاءِ) .

وَقَوْلُهُ: تَجْرِي بِأَمْرِهِ أَيْ: تُطِيعُهُ وَتَجْرِي إِلَى الْمَحَلِّ الَّذِي يَأْمُرُهَا بِهِ، وَمَا ذَكَرَهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ مِنْ تَسْخِيرِ الرِّيحِ لِسُلَيْمَانَ، وَأَنَّهَا تَجْرِي بِأَمْرِهِ بَيَّنَهُ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ، وَزَادَ بَيَانَ قَدْرِ سُرْعَتِهَا، وَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ: وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>