للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قَدَّمْنَا الْآيَاتِ الْمُوَضِّحَةَ لِهَذَا فِي سُورَةِ «النَّمْلِ» فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ - تَعَالَى -: بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ [٢٧ \ ٦٦] .

وَمَعْلُومٌ أَنَّ الظَّنَّ يُطْلَقُ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ الَّتِي نَزَلَ بِهَا الْقُرْآنُ عَلَى مَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا: الشَّكُّ، كَقَوْلِهِ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا [٥٣ \ ٢٨] . وَقَوْلِهِ - تَعَالَى - عَنِ الْكُفَّارِ: إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ [٤٥ \ ٣٢] .

وَالثَّانِي: هُوَ إِطْلَاقُ الظَّنِّ مُرَادًا بِهِ الْعِلْمُ وَالْيَقِينُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ - تَعَالَى - هُنَا: وَظَنُّوا مَا لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ [٤١ \ ٤٨] أَيْ أَيْقَنُوا أَنَّهُمْ لَيْسَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَحِيصٌ، أَيْ لَا مَفَرَّ وَلَا مَهْرَبَ لَهُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ، وَمِنْهُ بِهَذَا الْمَعْنَى قَوْلُهُ - تَعَالَى -: وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا [١٨ \ ٥٣] أَيْ أَيْقَنُوا ذَلِكَ وَعَلِمُوهُ، وَقَوْلُهُ - تَعَالَى -: الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ [٢ \ ٤٦] . وَقَوْلُهُ - تَعَالَى -: قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ [٢ \ ٢٤٩] . وَقَوْلُهُ - تَعَالَى -: فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ [٦٩ \ ١٩ - ٢٠] . فَالظَّنُّ فِي الْآيَاتِ الْمَذْكُورَةِ كُلِّهَا بِمَعْنَى الْيَقِينِ.

وَنَظِيرُ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ قَوْلُ دُرَيْدِ بْنِ الصِّمَّةِ:

فَقُلْتُ لَهُمْ ظُنُّوا بِأَلْفَيْ مُدَجَّجٍ ... سُرَاتُهُمُ فِي الْفَارِسِيِّ الْمُسَرَّدِ

وَقَوْلُ عَمِيرَةَ بْنِ طَارِقٍ:

بِأَنْ تَغْتَزُوا قَوْمِي وَأَقْعُدَ فِيكُمُ ... وَأَجْعَلَ مِنِّي الظَّنَّ غَيْبًا مُرَجَّمَا

وَالظَّنُّ فِي الْبَيْتَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ بِمَعْنَى الْيَقِينِ، وَالْفِعْلُ الْقَلْبِيُّ فِي الْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ الَّتِي هِيَ قَوْلُهُ: وَظَنُّوا مَا لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ مُعَلِّقٌ عَنِ الْعَمَلِ فِي الْمَفْعُولَيْنِ بِسَبَبِ النَّفْيِ بِلَفْظَةِ (مَا) فِي قَوْلِهِ: مَا لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ كَمَا أَشَارَ لَهُ فِي الْخُلَاصَةِ بِقَوْلِهِ:

وَالْتَزِمِ التَّعْلِيقَ قَبْلَ نَفْيِ «مَا

»

قَوْلُهُ - تَعَالَى -: وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلَى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنَى.ُُ

<<  <  ج: ص:  >  >>