فِي مَهْمَهٍ قَلِقَتْ بِهِ هَامَتُهَا ... قَلَقَ الْفُئُوسِ إِذَا أَرَدْنَ نُضُولَا
فَقَوْلُهُ: إِذَا أَرَدْنَ نُضُولًا، أَيْ قَارَبْنَهُ. وَقَوْلِ الْآخَرِ:
يُرِيدُ الرُّمْحُ صَدْرَ أَبِي بَرَاءٍ ... وَيَعْدِلُ عَنْ دِمَاءِ بَنِي عَقِيلِ
أَيْ: يَمِيلُ إِلَى صَدْرِ أَبِي بَرَاءٍ، وَكَقَوْلِ رَاعِي نُمَيْرٍ:
إِنَّ دَهْرًا يَلُفُّ شَمْلِي بِجُمْلٍ ... لَزَمَانٌ يَهُمُّ بِالْإِحْسَانِ
فَقَوْلُهُ " لَزَمَانٌ يَهُمُّ بِالْإِحْسَانِ فِيهِ، وَقَدْ بَيَّنَّا فِي رِسَالَتِنَا الْمُسَمَّاةُ) مَنْعُ جَوَازِ الْمَجَازِ فِي الْمَنْزِلِ لِلتَّعَبُّدِ وَالْإِعْجَازِ (أَنَّ جَمِيعَ الْآيَاتِ الَّتِي يَزْعُمُونَ أَنَّهَا مَجَازٌ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَتَعَيَّنُ فِي شَيْءٍ مِنْهَا، وَبَيَّنَّا أَدِلَّةَ ذَلِكَ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا
، ظَاهِرُ هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ أَنَّ ذَلِكَ الْمَلِكَ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ، صَحِيحَةً كَانَتْ أَوْ مَعِيبَةً، وَلَكِنَّهُ يُفْهَمُ مِنْ آيَةٍ أُخْرَى أَنَّهُ لَا يَأْخُذُ الْمَعِيبَةَ، وَهِيَ قَوْلُهُ: فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا [١٨ \ ٧٩] ، أَيْ: لِئَلَّا يَأْخُذَهَا، وَذَلِكَ هُوَ الْحِكْمَةُ فِي خَرْقِهِ لَهَا الْمَذْكُورِ فِي قَوْلِهِ: حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا [١٨ \ ٧١] ، ثُمَّ بَيَّنَ أَنَّ قَصْدَهُ بِخَرْقِهَا سَلَامَتُهَا لِأَهْلِهَا مِنْ أَخْذَ ذَلِكَ الْمَلِكِ الْغَاصِبِ ; لِأَنَّ عَيْبَهَا يُزَهِّدُهُ فِيهَا ; وَلِأَجْلِ مَا ذَكَرْنَا كَانَتْ هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ مِثَالًا عِنْدَ عُلَمَاءِ الْعَرَبِيَّةِ لِحَذْفِ النَّعْتِ، أَيْ: وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ صَحِيحَةٍ غَيْرِ مَعِيبَةٍ بِدَلِيلِ مَا ذَكَرْنَا.
وَقَدْ قَدَّمْنَا الشَّوَاهِدَ الْعَرَبِيَّةَ عَلَى ذَلِكَ فِي سُورَةِ «بَنِي إِسْرَائِيلَ» فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَابًا شَدِيدًا الْآيَةَ [١٧ \ ٥٨] ، وَاسْمُ ذَلِكَ الْمَلِكِ: هُدَدُ بْنُ بَدْرٍ: وَقَوْلُهُ «وَرَاءَهُمْ» أَيْ: أَمَامَهُمْ كَمَا تَقَدَّمَ فِي سُورَةِ «إِبْرَاهِيمَ» .
قَوْلُهُ تَعَالَى: حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ
، قَرَأَهُ نَافِعٌ وَابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو عَمْرٍو وَحَفْصٌ عَنْ عَاصِمٍ «حَمِئَةٍ» بِلَا أَلِفٍ بَعْدِ الْحَاءِ، وَبِهَمْزَةٍ مَفْتُوحَةٍ بَعْدَ الْمِيمِ الْمَكْسُورَةِ، وَقَرَأَهُ ابْنُ عَامِرٍ وَحَمْزَةٍ وَالْكِسَائِيٍّ وَشُعْبَةُ عَنْ عَاصِمٍ «حَامِيَةٍ» بِأَلِفٍ بَعْدِ الْحَاءِ، وَيَاءٍ مَفْتُوحَةٍ بَعْدَ الْمِيمِ الْمَكْسُورَةِ عَلَى صِيغَةِ اسْمِ الْفَاعِلِ، فَعَلَى الْقِرَاءَةِ الْأُولَى فَمَعْنَى «حَمِئَةٍ» : ذَاتُ حَمْأَةٍ وَهِيَ الطِّينُ الْأَسْوَدُ، وَيَدُلُّ لِهَذَا التَّفْسِيرِ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ [١٥ \ ٢٦] ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute