وَذَكَرْنَا حَدِيثَ جَرِيرٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ، فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ فِي إِيضَاحِ ذَلِكَ.
وَمِنَ الْآيَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى مُؤَاخَذَةِ الْإِنْسَانِ بِمَا عُمِلَ بِهِ بَعْدَهُ مِمَّا سَنَّهُ مِنْ هُدًى أَوْ ضَلَالَةٍ، قَوْلُهُ تَعَالَى: يُنَبَّأُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ [٧٥ \ ١٣] ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمَعْنَى بِمَا قَدَّمَ: مُبَاشِرًا لَهُ، وَأَخَّرَ: مِمَّا عُمِلَ بِهِ بَعْدَهُ مِمَّا سَنَّهُ مِنْ هُدًى أَوْ ضَلَالٍ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ [٨٢ \ ٥] ، عَلَى الْقَوْلِ بِذَلِكَ.
وَأَمَّا عَلَى التَّفْسِيرِ الثَّانِي: وَهُوَ أَنَّ مَعْنَى آثَارَهُمْ: خُطَاهُمْ إِلَى الْمَسَاجِدِ وَنَحْوُهَا، فَقَدْ جَاءَ بَعْضُ الْآيَاتِ دَالًّا عَلَى ذَلِكَ الْمَعْنَى ; كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَا يَقْطَعُونَ وَادِيًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ [٩ \ ١٢١] ; لِأَنَّ ذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ أَنْ تُكْتَبَ لَهُمْ خُطَاهُمُ الَّتِي قَطَعُوا بِهَا الْوَادِيَ فِي غَزْوِهِمْ.
وَأَمَّا الرَّابِعُ: وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ، فَقَدْ تَدُلُّ عَلَيْهِ الْآيَاتُ الدَّالَّةُ عَلَى الْأَمْرِ الثَّانِي، وَهُوَ كِتَابَةُ جَمِيعِ الْأَعْمَالِ الَّتِي قَدَّمُوهَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ خُصُوصُ الْأَعْمَالِ.
وَأَمَّا عَلَى فَرْضِ كَوْنِهِ عَامًّا، فَقَدْ دَلَّتْ عَلَيْهِ آيَاتٌ أُخَرُ ; كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا [٧٢ \ ٢٨] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ [٦ \ ٣٨] ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْكِتَابِ اللَّوْحُ الْمَحْفُوظُ، وَهُوَ أَصَحُّ الْقَوْلَيْنِ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.
قَوْلُهُ تَعَالَى: قَالُوا مَا أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَمَا أَنْزَلَ الرَّحْمَنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ. قَدْ قَدَّمْنَا الْآيَاتِ الْمُوَضِّحَةَ لَهُ فِي سُورَةِ «بَنِي إِسْرَائِيلَ» ، فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى إِلَّا أَنْ قَالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَسُولًا [١٧ \ ٩٤] .
وَقَوْلُهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ عَنِ الْكُفَّارِ: وَمَا أَنْزَلَ الرَّحْمَنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ، قَدْ بَيَّنَ أَنَّهُمْ قَدْ قَالُوا ذَلِكَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ ; كَقَوْلِهِ تَعَالَى: كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ الْآيَةَ [٦٧ \ ٨ - ٩] ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute