مُتَجَافٍ عَنْهُ، أَوْ سَمَّى إِحْدَاثَ اللَّهِ خَلْقًا ; لِأَنَّهُ لَا يُحْدِثُ شَيْئًا لِحِكْمَتِهِ إِلَّا عَلَى وَجْهِ التَّقْدِيرِ غَيْرَ مُتَفَاوِتٍ، فَإِذَا قِيلَ: خَلَقَ اللَّهُ كَذَا، فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِكَ: أَحْدَثَ وَأَوْجَدَ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إِلَى وَجْهِ الِاشْتِقَاقِ، فَكَأَنَّهُ قِيلَ: وَأَوْجَدَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ فِي إِيجَادِهِ لَمْ يُوجِدْهُ مُتَفَاوِتًا. وَقِيلَ: فَجَعَلَ لَهُ غَايَةً وَمُنْتَهًى، وَمَعْنَاهُ: فَقَدَّرَهُ لِلْبَقَاءِ إِلَى أَمَدٍ مَعْلُومٍ، انْتَهَى كَلَامُ صَاحِبِ «الْكَشَّافِ» وَبَعْضُهُ لَهُ اتِّجَاهٌ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَلَا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُورًا. ذَكَرَ جَلَّ وَعَلَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ أَنَّ الْآلِهَةَ الَّتِي يَعْبُدُهَا الْمُشْرِكُونَ مِنْ دُونِهِ، مُتَّصِفَةٌ بِسِتَّةِ أَشْيَاءَ، كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا بُرْهَانٌ قَاطِعٌ، أَنَّ عِبَادَتَهَا مَعَ اللَّهِ، لَا وَجْهَ لَهَا بِحَالٍ، بَلْ هِيَ ظُلْمٌ مُتَنَاهٍ، وَجَهْلٌ عَظِيمٌ، وَشِرْكٌ يَخْلُدُ بِهِ صَاحِبُهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ، وَهَذَا بَعْدَ أَنْ أَثْنَى عَلَى نَفْسِهِ جَلَّ وَعَلَا بِالْأُمُورِ الْخَمْسَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْآيَةِ الَّتِي قَبْلَهَا الَّتِي هِيَ بَرَاهِينُ قَاطِعَةٌ، عَلَى أَنَّ الْمُتَّصِفَ بِهَا هُوَ الْمَعْبُودُ وَحْدَهُ، وَالْأُمُورُ السِّتَّةُ الَّتِي هِيَ مِنْ صِفَاتِ الْمَعْبُودَاتِ مِنْ دُونِ اللَّهِ: الْأَوَّلُ مِنْهَا: أَنَّهَا لَا تَخْلُقُ شَيْئًا، أَيْ: لَا تَقْدِرُ عَلَى خَلْقِ شَيْءٍ.
وَالثَّانِي مِنْهَا: أَنَّهَا مَخْلُوقَةٌ كُلَّهَا، أَيْ: خَلَقَهَا خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ.
وَالثَّالِثُ: أَنَّهَا لَا تَمْلِكُ لِأَنْفُسِهَا ضَرًّا وَلَا نَفْعًا.
الرَّابِعُ وَالْخَامِسُ وَالسَّادِسُ: أَنَّهَا لَا تَمْلِكُ مَوْتًا، وَلَا حَيَاةً، وَلَا نُشُورًا، أَيْ: بَعْثًا بَعْدَ الْمَوْتِ، وَهَذِهِ الْأُمُورُ السِّتَّةُ الْمَذْكُورَةُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ، جَاءَتْ مُبَيَّنَةً فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى.
أَمَّا الْأَوَّلُ مِنْهَا: وَهُوَ كَوْنُ الْآلِهَةِ الْمَعْبُودَةِ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا تَخْلُقُ شَيْئًا، فَقَدْ جَاءَ مُبَيَّنًا فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ ; كَقَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ الْآيَةَ [٢٢ \ ٧٣] وَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ [١٦ \ ٢٠ - ٢١] وَقَوْلِهِ تَعَالَى فِي سُورَةِ «فَاطِرٍ» : قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَاءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا فَهُمْ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْهُ بَلْ إِنْ يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا إِلَّا غُرُورًا [٣٥ \ ٤٠]
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute