قَدْ قَدَّمَنَا الْكَلَامَ عَلَيْهِ فِي سُورَةِ «فُصِّلَتْ» فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ - تَعَالَى -: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ الْآيَةَ [٤١] .
قَوْلُهُ - تَعَالَى -: وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا.
قَرَأَ هَذَا الْحَرْفَ نَافِعٌ وَابْنُ كَثِيرٍ وَابْنُ عَامِرٍ وَأَبُو عَمْرٍو: حُسْنًا بِضَمِّ الْحَاءِ وَسُكُونِ السِّينِ، وَكَذَلِكَ هُوَ فِي مَصَاحِفِهِمْ.
وَقَرَأَهُ عَاصِمٌ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ: إِحْسَانًا بِهَمْزَةٍ مَكْسُورَةٍ وَإِسْكَانِ الْحَاءِ، وَأَلْفٍ بَعْدِ السِّينِ.
وَقَدْ قَدَّمَنَا الْآيَاتِ الْمُوَضِّحَةَ لِهَذِهِ الْآيَةِ فِي سُورَةِ «بَنِي إِسْرَائِيلَ» فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ - تَعَالَى -: وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا [١٧ \ ٢٣] . وَقَالَ أَبُو حَيَّانَ فِي الْبَحْرِ: قِيلَ: ضَمَّنَ وَوَصَّيْنَا مَعْنَى أَلْزَمْنَا، فَيَتَعَدَّى لِاثْنَيْنِ، فَانْتَصَبَ حُسْنًا وَإِحْسَانًا عَلَى الْمَفْعُولِ الثَّانِي لِوَصَّيْنَا.
وَقِيلَ: التَّقْدِيرُ إِيصَاءً ذَا حُسْنٍ أَوْ ذَا إِحْسَانٍ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حُسْنًا بِمَعْنَى إِحْسَانٍ، فَيَكُونُ مَفْعُولًا بِهِ، أَيْ وَوَصَّيْنَاهُ بِهَا لِإِحْسَانِنَا إِلَيْهِمَا، فَيَكُونُ الْإِحْسَانُ مِنَ اللَّهِ - تَعَالَى -.
وَقِيلَ: النَّصْبُ عَلَى الْمَصْدَرِ عَلَى تَضْمِينِ مَعْنَى أَحْسَنَّا بِالْوَصِيَّةِ لِلْإِنْسَانِ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا. اهـ مِنْهُ، وَكُلُّهَا لَهُ وَجْهٌ.
قَوْلُهُ - تَعَالَى -: حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا.
قَرَأَ هَذَا الْحَرْفَ نَافِعٌ وَابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو عَمْرٍو وَهِشَامٌ عَنِ ابْنِ عَامِرٍ: كَرْهًا بِفَتْحِ الْكَافِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ.
وَقَرَأَهُ عَاصِمٌ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَابْنُ ذَكْوَانَ عَنِ ابْنِ عَامِرٍ: كُرْهًا بِضَمِّ الْكَافِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ.
وَهُمَا لُغَتَانِ كَالضُّعْفِ وَالضَّعْفِ.
وَمَعْنَى حَمَلَتْهُ كُرْهًا أَنَّهَا فِي حَالِ حَمْلِهَا بِهِ تُلَاقِي مَشَقَّةً شَدِيدَةً.