وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ مَنْصُوبٌ بِيَعْلَمُ مَحْذُوفَةً ; لِأَنَّ الْعَطْفَ الَّذِي ذَكَرْنَا عَلَى قَوْلِهِ: سَرَّهُمْ، وَالْعَطْفَ عَلَى (السَّاعَةِ) يُقَالُ فِيهِ: إِنَّهُ يَقْتَضِي الْفَصْلَ بَيْنَ الْمَعْطُوفِ وَالْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ بِمَا لَا يَصْلُحُ لِكَوْنِهِ اعْتِرَاضًا، وَتَقْدِيرُ النَّاصِبِ إِذَا دَلَّ الْمَقَامُ عَلَيْهِ لَا إِشْكَالَ فِيهِ. كَمَا قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: وَيُحْذَفُ النَّاصِبُهَا إِنْ عُلِمَا وَقَدْ يَكُونُ حَذْفُهُ مُلْتَزِمَا
وَأَمَّا عَلَى قِرَاءَةِ الْخَفْضِ فَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى السَّاعَةِ، أَيْ وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ، وَعَلَمُ (قِيلِهِ يَا رَبِّ) .
وَاخْتَارَ الزَّمَخْشَرِيُّ أَنَّهُ مَخْفُوضٌ بِالْقِسْمِ، وَلَا يَخْفَى بُعْدُهُ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ أَبُو حَيَّانَ.
وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ الضَّمِيرَ فِي (قِيلِهِ) لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ قَوْلَهُ بَعْدُ: فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلَامٌ [٤٣ \ ٨٩]- خِطَابٌ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِلَا نِزَاعٍ، فَادِّعَاءُ أَنَّ الضَّمِيرَ فِي (قِيلِهِ) لِعِيسَى لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ وَلَا وَجْهَ لَهُ.
وَمَا تَضَمَّنَتْهُ هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ مِنْ شَكْوَاهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى رَبِّهِ عَدَمَ إِيمَانِ قَوْمِهِ - جَاءَ مُوَضَّحًا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ، كَقَوْلِهِ - تَعَالَى -: وَقَالَ الرَّسُولُ يَارَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا [٢٥] . وَذُكِرَ مِثْلُهُ عَنْ مُوسَى فِي قَوْلِهِ - تَعَالَى - فِي «الدُّخَانِ» : فَدَعَا رَبَّهُ أَنَّ هَؤُلَاءِ قَوْمٌ مُجْرِمُونَ [٤٤ \ ٢٢] . وَعَنْ نُوحٍ قَوْلُهُ - تَعَالَى -: قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا [٧١ \ ٥ - ٦] . إِلَى آخِرِ الْآيَاتِ.
قَوْلُهُ - تَعَالَى -: فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلَامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ.
قَرَأَ هَذَا الْحَرْفَ ابْنُ كَثِيرٍ، وَأَبُو عَمْرٍو، وَعَاصِمٌ، وَحَمْزَةُ، وَالْكِسَائِيُّ -: (فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) بِيَاءِ الْغَيْبَةِ، وَقَرَأَ نَافِعٌ وَابْنُ عَامِرٍ: (فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ) بِتَاءِ الْخِطَابِ.
وَهَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ تَضَمَّنَتْ ثَلَاثَةَ أُمُورٍ: الْأَوَّلُ: أَمْرُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالصَّفْحِ عَنِ الْكُفَّارِ.
وَالثَّانِي: أَنْ يَقُولَ لَهُمْ سَلَامٌ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute