للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنَ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ [١٠ \ ٣١] .

فَقَوْلُهُ: فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ [١٠ \ ٣١] ، دَلِيلٌ عَلَى مَعْرِفَتِهِمْ نِعْمَتَهُ. وَقَوْلُهُ: فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ [١٠ \ ٣١] ، دَلِيلٌ عَلَى إِنْكَارِهِمْ لَهَا. وَالْآيَاتُ بِمِثْلِ هَذَا كَثِيرَةٌ جِدًّا.

وَرُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ: أَنَّ سَبَبَ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: أَنَّ أَعْرَابِيًّا أَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَسَأَلَهُ، فَقَرَأَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا [١٦ \ ٨٠] ، فَقَالَ الْأَعْرَابِيُّ: نَعَمْ! قَالَ: وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعَامِ بُيُوتًا الْآيَةَ [١٦ \ ٨٠] ، قَالَ الْأَعْرَابِيُّ: نَعَمْ! ثُمَّ قَرَأَ عَلَيْهِ، كُلَّ ذَلِكَ يَقُولُ الْأَعْرَابِيُّ: نَعَمْ! حَتَّى بَلَغَ: كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ [١٦ \ ٨١] ، فَوَلَّى الْأَعْرَابِيُّ ; فَأَنْزَلَ اللَّهُ: يَعْرِفُونَ نِعْمَةَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا [١٦ \ ٨٣] ، وَعَنِ السُّدِّيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَعْرِفُونَ نِعْمَةَ اللَّهِ، أَيْ: نُبُوَّةَ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا، أَيْ: يُكَذِّبُونَهُ وَيُنْكِرُونَ صِدْقَهُ.

وَقَدْ بَيَّنَ - جَلَّ وَعَلَا -: أَنَّ بَعْثَةَ نَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهِمْ مِنْ مِنَنِ اللَّهِ عَلَيْهِمْ. كَمَا قَالَ تَعَالَى: لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ الْآيَةَ [٣ \ ١٦٤] ، وَبَيَّنَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: أَنَّهُمْ قَابَلُوا هَذِهِ النِّعْمَةَ بِالْكُفْرَانِ، وَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ [١٤ \ ٢٨] ، وَقِيلَ: يَعْرِفُونَ نِعْمَةَ اللَّهِ فِي الشِّدَّةِ، ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا فِي الرَّخَاءِ. وَقَدْ تَقَدَّمَتِ الْآيَاتُ الدَّالَّةُ عَلَى ذَلِكَ، كَقَوْلِهِ: فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ [٢٩ \ ٦٥] ، وَنَحْوِهَا مِنَ الْآيَاتِ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَقْوَالِ فِي الْآيَةِ.

وَقَوْلُهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ [١٦ \ ٨٣] ، قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: مَعْنَاهُ أَنَّهُمْ كُلَّهُمْ كَافِرُونَ. أَطْلَقَ الْأَكْثَرَ وَأَرَادَ الْكُلَّ. قَالَهُ الْقُرْطُبِيُّ وَالشَّوْكَانِيُّ. وَقَالَ الشَّوْكَانِيُّ: أَوْ أَرَادَ بِالْأَكْثَرِ الْعُقَلَاءَ دُونَ الْأَطْفَالِ وَنَحْوِهِمْ. أَوْ أَرَادَ كُفْرَ الْجُحُودِ، وَلَمْ يَكُنْ كُفْرُ كُلِّهِمْ كَذَلِكَ، بَلْ كَانَ كُفْرُ بَعْضِهِمْ كُفْرَ جَهْلٍ.

قَوْلُهُ تَعَالَى: ثُمَّ لَا يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا ; لَمْ يُبَيِّنْ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ مُتَعَلِّقَ الْإِذْنِ فِي قَوْلِهِ: لَا يُؤْذَنُ [١٦ \ ٨٤] ، وَلَكِنَّهُ بَيَّنَ فِي (الْمُرْسَلَاتِ) أَنَّ مُتَعَلِّقَ الْإِذْنِ الِاعْتِذَارُ، أَيْ: لَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فِي الِاعْتِذَارِ، لِأَنَّهُمْ لَيْسَ لَهُمْ عُذْرٌ يَصِحُّ قَبُولُهُ، وَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ: هَذَا يَوْمُ لَا يَنْطِقُونَ وَلَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ [٧٧ \ ٣٥ - ٣٦] .

<<  <  ج: ص:  >  >>