للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَسْتَوِيَانِ، وَأَنَّ الْكُفَّارَ لَا يَمْلِكُونَ أَمْوَالَ الْمُسْلِمِينَ بِالْقَهْرِ، ذَكَرَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ.

وَهَذَا وَإِنْ كَانَ حَقًّا إِلَّا أَنَّ أَخْذَهُ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهَا فِي مَعْرِضِ الْمُقَارَنَةِ لِلنِّهَايَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.

قَوْلُهُ تَعَالَى: لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتُهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ.

وَقَوْلُهُ تَعَالَى: لَوْ أَنْزَلْنَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُنْزِلْهُ، وَأَنَّهُ ذُكِرَ عَلَى سَبِيلِ الْمِثَالِ؛ لِيَتَفَكَّرَ النَّاسُ فِي أَمْرِهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى الْآيَةَ [١٣ \ ٣١] .

قَالَ الشَّيْخُ - رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ - عِنْدَهَا: جَوَابُ (لَوْ) مَحْذُوفٌ.

قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: تَقْدِيرُهُ لَكَانَ هَذَا الْقُرْآنُ. . . إِلَخْ. اهـ.

وَقَالَ ابْنُ كَثِيرٍ: يَقُولُ تَعَالَى مُعَظِّمًا لِأَمْرِ الْقُرْآنِ، وَمُبَيِّنًا عُلُوَّ قَدْرِهِ، وَأَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ تَخْشَعَ لَهُ الْقُلُوبُ وَتَتَصَدَّعَ عِنْدَ سَمَاعِهِ لِمَا فِيهِ مِنَ الْوَعْدِ الْحَقِّ وَالْوَعِيدِ الْأَكِيدِ: لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ الْآيَةَ [٥٩ \ ٢١] .

فَإِذَا كَانَ الْجَبَلُ فِي غِلْظَتِهِ وَقَسَاوَتِهِ لَوْ فَهِمَ هَذَا الْقُرْآنَ فَتَدَبَّرَ مَا فِيهِ لَخَشَعَ وَتَصَدَّعَ مِنْ خَوْفِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.

فَكَيْفَ يَلِيقُ بِكُمْ أَيُّهَا الْبَشَرُ أَلَّا تَلِينَ قُلُوبُكُمْ، وَتَخْشَعَ، وَتَتَصَدَّعَ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ، وَقَدْ فَهِمْتُمْ عَنِ اللَّهِ أَمْرَهُ وَقَدْ تَدَبَّرْتُمْ كِتَابَهُ، وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ [٥٩ \ ٢١] .

وَقَدْ وُجِدَ لِبَعْضِ النَّاسِ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ عِنْدَ سَمَاعِ آيَاتٍ مِنَ الْقُرْآنِ، مِنْ ذَلِكَ مَا رَوَاهُ ابْنُ كَثِيرٍ فِي سُورَةِ «الطُّورِ» عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: خَرَجَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَعُسُّ بِالْمَدِينَةِ ذَاتَ لَيْلَةٍ فَمَرَّ بِدَارِ رَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَوَافَقَهُ قَائِمًا يُصَلِّي فَوَقَفَ يَسْتَمِعُ قِرَاءَتَهُ فَقَرَأَ: وَالطُّورِ [٥٢ \ ١] حَتَّى بَلَغَ: إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ [٥٢ \ ٧ - ٨] قَالَ: قَسَمٌ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ حَقٌّ، فَنَزَلَ عَنْ حِمَارِهِ وَاسْتَنَدَ إِلَى حَائِطٍ فَمَكَثَ مَلِيًّا، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى مَنْزِلِهِ، فَمَكَثَ شَهْرًا يَعُودُهُ النَّاسُ لَا يَدْرُونَ مَا مَرَضُهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>