[٩ \ ٧١ - ٧٢] .
وَهَذِهِ أَيْضًا أَخَصُّ صِفَاتِ أَهْلِ الْجَنَّةِ، مِنَ الرَّحْمَةِ وَالرِّضْوَانِ، وَالْخُلُودِ، وَالْإِقَامَةِ الدَّائِمَةِ فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ، إِذِ الْعَدْنُ الْإِقَامَةُ الدَّائِمَةُ، وَمِنْهَا الْمَعْدِنُ لِدَوَامِ إِقَامَتِهِ فِي مَكَانِهِ، وَرَضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ.
ثُمَّ يَأْتِي الْخِتَامُ فِي الْمَقَامَيْنِ مُتَّحِدًا، وَهُوَ الْحُكْمُ بِالْفَوْزِ لِأَصْحَابِ الْجَنَّةِ، فَفِي آيَةِ «التَّوْبَةِ» : ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ وَفِي آيَةِ «الْحَشْرِ» : أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ [٥٩ \ ٢٠] ، وَبِهَذَا عُلِمَ مَنْ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ، وَمَنْ هُمْ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ.
وَتَبَيَّنَ ارْتِبَاطُ هَذِهِ الْمُقَابَلَةِ بَيْنَ هَذَيْنِ الْفَرِيقَيْنِ، وَبَيْنَ مَا قَبْلَهُمْ مِمَّنْ نَسُوا فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ، وَمَنِ اتَّقَوُا اللَّهَ وَقَدَّمُوا لِغَدِهِمْ، وَبِهَذَا يُعْلَمُ أَنَّ عُصَاةَ الْمُسْلِمِينَ غَيْرُ دَاخِلِينَ هُنَا فِي أَصْحَابِ النَّارِ، لِمَا قَدَّمْنَا مِنْ أَنَّ أَصْحَابَ النَّارِ هُمُ الْمُخْتَصُّونَ بِهَا مِمَّنْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَكَذَّبُوا بِآيَاتِهِ، وَكَمَا يَشْهَدُ لِهَذَا قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا [١٩ \ ٧١ - ٧٢] ، وَالظَّالِمُونَ هُنَا هُمُ الْمُشْرِكُونَ فِي ظُلْمِهِمْ أَنْفُسَهُمْ.
وَبِهَذَا يُرَدُّ عَلَى الْمُعْتَزِلَةِ أَخْذُهُمْ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ عَدَمُ دُخُولِ أَصْحَابِ الْكَبِيرَةِ الْجَنَّةَ عَلَى أَنَّهُمْ فِي زَعْمِهِمْ لَوْ دَخَلُوهَا لَاسْتَوَوْا مَعَ أَصْحَابِ الْجَنَّةِ.
وَهَذَا بَاطِلٌ كَمَا قَدَّمْنَا، وَمِنْ نَاحِيَةٍ أُخْرَى يُرَدُّ بِهَا عَلَيْهِمْ، وَهِيَ أَنْ يُقَالَ: إِذَا خُلِّدَ الْعُصَاةُ فِي النَّارِ عَلَى زَعْمِكُمْ مَعَ مَا كَانَ مِنْهُمْ مِنْ إِيمَانٍ بِاللَّهِ وَعَمَلٍ صَالِحٍ فَمَاذَا يَكُونُ الْفَرْقُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْكُفَّارِ وَالْمُشْرِكِينَ، وَتَقَدَّمَ قَوْلُهُ تَعَالَى: أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ [٣٨ \ ٢٨] .
وَقَدْ بَحَثَ الشَّيْخُ - رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ - مَسْأَلَةَ بَقَاءِ الْعُصَاةِ وَخُرُوجِهِمْ مِنَ النَّارِ وَخُلُودِ الْكُفَّارِ فِيهَا بَحْثًا وَاسِعًا فِي دَفْعِ إِيهَامِ الِاضْطِرَابِ فِي سُورَةِ «الْأَنْعَامِ» فَلْيُرْجَعْ إِلَيْهِ.
وَقَدِ اسْتَدَلَّ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِهَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ الْمُسْلِمَ لَا يُقْتَلُ بِالذِّمِّيِّ وَلَا بِكَافِرٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute