أَمَّا الْعَدَالَةُ - وَهِيَ أُمُّ الْفَضَائِلِ الْأَخْلَاقِيَّةِ - فَيَتَفَرَّعُ عَنْهَا: الصَّدَاقَةُ، وَالْأُلْفَةُ، وَصِلَةُ الرَّحِمِ، وَتَرْكُ الْحِقْدِ، وَمُكَافَأَةُ الشَّرِّ بِالْخَيْرِ، وَاسْتِعْمَالُ اللُّطْفِ. فَهَذِهِ أُصُولُ الْأَخْلَاقِ وَفُرُوعُهَا، فَلَمْ تَبْقَ خَصْلَةٌ مِنْهَا إِلَّا وَهِيَ مُكْتَمِلَةٌ فِيهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وَقَدْ بَرَّأَهُ اللَّهُ مِنْ كُلِّ رَذِيلَةٍ، فَتَحَقَّقَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ، فِعْلًا وَعَقْلًا.
وَقَالَ الْفَخْرُ الرَّازِيُّ: لَقَدْ كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ. وَالْخُلُقُ مَا تَخَلَّقَ بِهِ الْإِنْسَانُ ; لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ لِنَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ [٦ \ ٩٠] ، وَلَا بُدَّ لِكُلِّ نَبِيٍّ مِنْ خَصْلَةٍ فَاضِلَةٍ. فَاجْتَمَعَ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَمِيعُ خِصَالِ الْفَضْلِ عِنْدَ جَمِيعِ الْأَنْبِيَاءِ. وَهَذَا وَإِنْ كَانَ لَهُ وَجْهٌ إِلَّا أَنَّ وَاقِعَ سِيرَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ.
فَقَدْ كَانَ قَبْلَ الْبَعْثَةِ وَالْوَحْيِ، مُلَقَّبًا عِنْدَ الْقُرَشِيِّينَ بِالْأَمِينِ، كَمَا فِي قِصَّةِ وَضْعِ الْحَجَرِ فِي الْكَعْبَةِ ; إِذْ قَالُوا عَنْهُ: الْأَمِينُ ارْتَضَيْنَاهُ.
وَجَاءَ عَنْ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ، لَمَّا أُخِذَ أَسِيرًا وَأَهْدَتْهُ خَدِيجَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - لِخِدْمَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَجَاءَ أَهْلُهُ بِالْفِدَاءِ يُفَادُونَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَقَالَ لَهُمُ: «ادْعُوهُ وَأَخْبِرُوهُ، فَإِنِ اخْتَارَكُمْ فَهُوَ لَكُمْ بِدُونِ فِدَاءٍ) فَقَالَ زَيْدٌ: وَاللَّهِ لَا أَخْتَارُ عَلَى صُحْبَتِكَ أَحَدًا أَبَدًا، فَقَالَ لَهُ أَهْلُهُ: وَيْحَكَ! أَتَخْتَارُ الرِّقَّ عَلَى الْحُرِّيَّةِ؟ ! فَقَالَ: نَعَمْ، وَاللَّهِ لَقَدْ صَحِبْتُهُ فَلَمْ يَقُلْ لِي لِشَيْءٍ فَعَلْتُهُ: لِمَ فَعَلْتَهُ قَطُّ. وَلَا لِشَيْءٍ لَمْ أَفْعَلْهُ: لِمَ لَمْ تَفْعَلْهُ قَطُّ:» وَرَجَعَ قَوْمُهُ، وَبَقِيَ هُوَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَأَخَذَ بِيَدِهِ، وَأَعْلَنَ تَبَنِّيَهُ عَلَى مَا كَانَ مَعْهُودًا قَبْلَ الْبَعْثَةِ.
إِنَّنَا لَوْ قُلْنَا: إِنَّ اخْتِيَارَ اللَّهِ إِيَّاهُ قَبْلَ وُجُودِهِ، وَتَعَهُّدَ اللَّهِ إِيَّاهُ بَعْدَ وُجُودِهِ ; مِنْ شَقِّ الصَّدْرِ فِي طُفُولَتِهِ، وَمِنْ مَوْتِ أَبَوَيْهِ وَرِعَايَةِ اللَّهِ لَهُ.
كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى إِلَى قَوْلِهِ: أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ [٩٣ \ ٣ - ١١] .
إِنَّهَا نِعْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ، وَعَلَى أُمَّتِهِ مَعَهُ - صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ - وَرَزَقَنَا التَّأَسِّيَ بِهِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى فَلَا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ أَنْ كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute