هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ، وَهَذَا السِّيَاقُ يُشْبِهُ فِي مَدْلُولِهِ وَصُورَتِهِ قَوْلَهُ تَعَالَى: وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ [٢٢ \ ٢٧] مَعَ قَوْلِهِ: فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ [٢ \ ١٩٨] .
فَفِي كُلٍّ مِنْهُمَا نِدَاءٌ، وَأَذَانُ الْحَجِّ صَلَاةٌ وَسَعْيٌ وَإِتْيَانٌ وَذِكْرٌ لِلَّهِ، ثُمَّ انْتِشَارٌ وَإِفَاضَةٌ مِمَّا يَرْبُطُ الْجُمُعَةَ بِالْحَجِّ فِي الشَّكْلِ وَإِنِ اخْتَلَفَ الْحَجْمُ، وَفِي الْكَيْفِ وَإِنْ تَفَاوَتَتِ التَّفَاصِيلُ، وَفِي الْمَبَاحِثِ وَالْأَحْكَامِ كَثْرَةٌ وَتَنْوِيعٌ مِنْ مُتَّفَقٍ عَلَيْهِ وَمُخْتَلَفٍ فِيهِ، مِمَّا يَجْعَلُ مَبَاحِثَ الْجُمُعَةِ لَا تَقِلُّ أَهَمِّيَّةً عَنْ مَبَاحِثِ الْحَجِّ، وَتَتَطَلَّبُ عِنَايَةً بِهَا كَالْعِنَايَةِ بِهِ.
وَقَدْ نُقِلَ عَنِ الشَّيْخِ - رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ - أَنَّهُ كَانَ عَازِمًا عَلَى بَسْطِ الْكَلَامِ فِيهَا كَعَادَتِهِ - رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ - وَلَكِنَّ إِرَادَتَهُ نَافِذَةٌ، وَقُدْرَتَهُ غَالِيَةٌ. وَإِنَّ كُلَّ إِنْسَانٍ يَسْتَشْعِرُ مَدَى مَبَاحِثِ الشَّيْخِ وَبَسْطِهِ وَتَحْقِيقِهِ لِلْمَسَائِلِ لِيُحْجِمَ وَيَتْرُكَ الدُّخُولَ فِيهَا تَقَاصُرًا دُونَهَا وَلَا سِيَّمَا وَأَنَّ رَبْطَ هَذِهِ الْمَبَاحِثِ بِنُصُوصِ الْقُرْآنِ لَيْسَ بِالْأَمْرِ الْمُبَيَّنِ، كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ أَبُو حَيَّانَ فِي مَضْمُونِ قَوْلِهِ فِي نِهَايَةِ تَفْسِيرِهِ لِهَذِهِ السُّورَةِ بَعْدَ إِيجَازِ الْكَلَامِ عَنْ أَحْكَامِهَا، قَالَ مَا نَصُّهُ: وَقَدْ مَلَأَ الْمُفَسِّرُونَ كَثِيرًا مِنْ أَوْرَاقِهِمْ بِأَحْكَامٍ وَخِلَافٍ فِي مَسَائِلِ الْجُمُعَةِ مِمَّا لَا تَعَلُّقَ لَهَا بِلَفْظِ الْقُرْآنِ. اهـ.
فَهُوَ يُشِيرُ بِأَنَّ لَفْظَ الْقُرْآنِ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِتِلْكَ الْأَحْكَامِ الَّتِي نَاقَشَهَا الْمُفَسِّرُونَ فِي مَبَاحِثِ الْجُمُعَةِ، وَلَكِنَّ الدَّارِسَ لِمَنْهَجِ الشَّيْخِ - رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ - فِي الْأَضْوَاءِ، وَالْمُتَذَوِّقَ لِأُسْلُوبِهِ لَمْ يَقْتَصِرْ عَلَى اللَّفْظِ فَقَطْ، أَيْ: دَلَالَةِ النَّصِّ التَّطَابُقِيِّ وَتَأَمُّلِ أَنْوَاعِ الدَّلَالَاتِ مِنْ تَضَمُّنٍ وَالْتِزَامٍ وَإِيمَاءٍ وَتَنْبِيهٍ، فَإِنَّهُ يَجِدُ لِأَكْثَرَ أَوْ كُلِّ مَا قَالَهُ الْمُفَسِّرُونَ، وَالْمُحَدِّثُونَ، وَالْفُقَهَاءُ مِنَ الْمَبَاحِثِ أُصُولًا مِنْ أُصُولِ تِلْكَ الدَّلَالَاتِ.
وَإِنِّي أَسْتَلْهِمُ اللَّهَ تَعَالَى الرُّشْدَ وَأَسْتَمِدُّ، الْعَوْنَ وَالتَّوْفِيقَ لِبَيَانِ كُلِّ مَا يَظْهَرُ مِنْ ذَلِكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، فَإِنْ وُفِّقْتُ فَبِفَضْلٍ مِنَ اللَّهِ وَخِدْمَةٍ لِكِتَابِهِ، وَإِلَّا فَإِنَّهَا مُحَاوَلَةٌ تُغْتَفَرُ بِجَانِبِ الْقُصُورِ الْعِلْمِيِّ وَتَحْسِينُ الْقَصْدِ، وَاللَّهُ الْهَادِي إِلَى سَوَاءِ السَّبِيلِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute