«الْأَحْزَابِ» هَذِهِ، ابْنُ عَبَّاسٍ، وَقَتَادَةُ وَغَيْرُ وَاحِدٍ، وَهُوَ ظَاهِرٌ.
وَقَوْلُهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا، صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْإِيمَانَ يَزِيدُ، وَقَدْ صَرَّحَ اللَّهُ بِذَلِكَ فِي آيَاتٍ مِنْ كِتَابِهِ، فَلَا وَجْهَ لِلِاخْتِلَافِ فِيهِ مَعَ تَصْرِيحِ اللَّهِ جَلَّ وَعَلَا بِهِ فِي كِتَابِهِ، فِي آيَاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ ; كَقَوْلِهِ تَعَالَى: لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ [٤٨ \ ٤] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا [٨ \ ٢] ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ. ذَكَرَ جَلَّ وَعَلَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ أَنَّهُ رَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا، وَأَنَّهُ كَفَى الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ، وَهُمُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابُهُ. وَلَمْ يُبَيِّنْ هُنَا السَّبَبَ الَّذِي رَدَّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَفَى بِهِ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ، وَلَكِنَّهُ جَلَّ وَعَلَا بَيَّنَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا [٣٣ \ ٩] ، أَيْ: وَبِسَبَبِ تِلْكَ الرِّيحِ وَتِلْكَ الْجُنُودِ رَدَّهُمْ بِغَيْظِهِمْ وَكَفَاكُمُ الْقِتَالَ، كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ الْآيَةَ [٣٣ \ ٣٠] .
قَدْ قَدَّمْنَا الْآيَةَ الْمُوَضِّحَةَ لَهُ فِي آخِرِ سُورَةِ «النَّمْلِ» ، فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [٢٧ \ ٩٠] ، وَفِي سُورَةِ «بَنِي إِسْرَائِيلَ» ، فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: إِذًا لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ الْآيَةَ [١٧ \ ٧٥] .
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ.
ذَكَرَ اللَّهُ جَلَّ وَعَلَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ أَنَّ مَنْ قَنَتَ مِنْ نِسَاءِ نَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ، وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا أَنَّ اللَّهَ جَلَّ وَعَلَا يُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ. وَالْقُنُوتُ: الطَّاعَةُ. وَمَا وَعَدَ اللَّهُ بِهِ جَلَّ وَعَلَا مَنْ أَطَاعَ مِنْهُنَّ بِإِيتَائِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ، جَاءَ الْوَعْدُ بِنَظِيرِهِ لِغَيْرِهِنَّ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ، فَمِنْ ذَلِكَ وَعْدُهُ لِمَنْ آمَنَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ بِنَبِيِّهِ، ثُمَّ آمَنَ بِمُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِإِيتَائِهِ أَجْرَهُ مَرَّتَيْنِ، وَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ أُولَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ الْآيَةَ [٢٨ \ ٥١ - ٥٤] .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute