للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ سُورَةُ الْحَشْرِ

قَوْلُهُ تَعَالَى: (سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) .

تَقَدَّمَ لِلشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كَلَامٌ عَلَى مَعْنَى التَّسْبِيحِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُدَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ) [٢١ \ ٧٩] .

وَقَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: التَّسْبِيحُ فِي اللُّغَةِ الْإِبْعَادُ عَنِ السُّوءِ، وَفِي اصْطِلَاحِ الشَّرْعِ تَنْزِيهُ اللَّهِ - جَلَّ وَعَلَا - عَنْ كُلِّ مَا لَا يَلِيقُ بِكَمَالِهِ وَجَلَالِهِ، وَسَاقَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - النُّصُوصَ فِي تَسْبِيحِ الْمَخْلُوقَاتِ جَمِيعِهَا.

وَقَالَ فِي آخِرِ الْمَبْحَثِ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: وَكُنَّا فَاعِلِينَ مُؤَكِّدٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: (وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُدَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ) ، وَالْمُوجِبُ لِهَذَا التَّأْكِيدِ أَنَّ تَسْخِيرَ الْجِبَالِ وَتَسْبِيحَهَا أَمْرٌ عَجَبٌ خَارِقٌ لِلْعَادَةِ، مَظِنَّةٌ لِأَنْ يُكَذِّبَ بِهِ الْكَفَرَةُ الْجَهَلَةُ [مِنَ الْجُزْءِ الرَّابِعِ ٣٣٧، وَذَكَرَ عِنْدَ أَوَّلِ سُورَةِ " الْحَدِيدِ " زِيَادَةً لِذَلِكَ] .

وَفِي مُذَكِّرَةِ الدِّرَاسَةِ مِمَّا أَمْلَاهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي فَصْلِ الدِّرَاسَةِ عَلَى أَوَّلِ سُورَةِ الْجُمُعَةِ: يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ [٦٢ \ ١] قَالَ: التَّسْبِيحُ التَّنْزِيهُ، (وَمَا) الَّتِي لِغَيْرِ الْعُقَلَاءِ؛ لِتَغَلُّبِ غَيْرِ الْعُقَلَاءِ لِكَثْرَتِهِمْ، وَكَانَ يُمْكِنُ الِاكْتِفَاءُ بِالْإِحَالَةِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إِلَّا أَنَّ الْحَاجَةَ الْآنَ تَدْعُو إِلَى مَزِيدِ بَيَانٍ بِقَدْرِ الْمُسْتَطَاعِ؛ لِتَعَلُّقِ الْمَبْحَثِ بِأَمْرٍ بَالِغِ الْأَهَمِّيَّةِ، وَنَحْنُ الْيَوْمَ فِي عَصْرٍ تَغْلِبُ عَلَيْهِ الْعَلْمَانِيَّةُ، وَالْمَادِّيَّةُ فَنُورِدُ مَا أَمْكَنَ أَمَلًا فِي زِيَادَةِ الْإِيضَاحِ.

إِنَّ أَصْلَ التَّسْبِيحِ مِنْ مَادَّةِ سَبَحَ، وَالسِّبَاحَةُ وَالتَّسْبِيحُ مُشْتَرِكَانِ فِي أَصْلِ الْمَادَّةِ، فَبَيْنَهُمَا اشْتِرَاكٌ فِي أَصْلِ الْمَعْنَى، وَالسِّبَاحَةُ فِي الْمَاءِ يَنْجُو بِهَا صَاحِبُهَا مِنَ الْغَرَقِ، وَكَذَلِكَ الْمُسَبِّحُ لِلَّهِ وَالْمُنَزِّهُ لَهُ يَنْجُو مِنَ الشِّرْكِ، وَيَحْيَا بِالذِّكْرِ وَالتَّمْجِيدِ لِلَّهِ تَعَالَى.

وَقَدْ جَاءَ الْفِعْلُ هُنَا بِصِيغَةِ الْمَاضِي: (سَبَّحَ لِلَّهِ) كَمَا جَاءَ فِي أَوَّلِ سُورَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>