للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَالْأَظْهَرُ عِنْدِي: أَنَّهُ مَفْعُولُ فِعْلٍ مَحْذُوفٍ، تَقْدِيرُهُ: أَعْنِي الْكَوَاكِبَ، عَلَى حَدِّ قَوْلِهِ فِي «الْخُلَاصَةِ» :

وَيُحْذَفُ النَّاصِبُهَا إِنْ عُلِمَا وَقَدْ يَكُونُ حَذْفُهُ مُلْتَزَمَا

قَوْلُهُ تَعَالَى: وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ إِلَى قَوْلِهِ: شِهَابٌ ثَاقِبٌ. قَدْ قَدَّمْنَا الْآيَاتِ الْمُوَضِّحَةَ لَهُ فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ الْآيَةَ [١٥ \ ١٧ - ١٨] فِي سُورَةِ «الْحِجْرِ» .

قَوْلُهُ تَعَالَى: فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمْ مَنْ خَلَقْنَا إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِنْ طِينٍ لَازِبٍ

ذُكِرَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ بُرْهَانَيْنِ مِنْ بَرَاهِينِ الْبَعْثِ، الَّتِي قَدَّمْنَا أَنَّهَا يَكْثُرُ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ الِاسْتِدْلَالُ بِهَا عَلَى الْبَعْثِ.

الْأَوَّلُ: هُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمْ مَنْ خَلَقْنَا ; لِأَنَّ مَعْنَى: فَاسْتَفْتِهِمْ، اسْتَخْبِرْهُمْ وَالْأَصْلُ فِي مَعْنَاهُ: اطْلُبْ مِنْهُمُ الْفَتْوَى، وَهِيَ الْإِخْبَارُ بِالْوَاقِعِ فِيمَا تَسْأَلُهُمْ عَنْهُ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَيْ: أَصْعَبُ إِيجَادًا وَاخْتِرَاعًا، أَمْ مَنْ خَلَقْنَا مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ الَّتِي هِيَ أَعْظَمُ وَأَكْبَرُ مِنْهُمْ، وَهِيَ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ الْمُعَبَّرِ عَنْ جَمَاعَاتِهِمْ بِالصَّافَّاتِ، وَالزَّاجِرَاتِ، وَالتَّالِيَاتِ، وَالسَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَالشَّمْسِ وَالْقَمَرِ، وَمَرَدَةِ الشَّيَاطِينِ ; كَمَا ذُكِرَ ذَلِكَ كُلُّهُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ الْمَشَارِقِ إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ [٣٧ \ ٥ - ٧] .

وَجَوَابُ الِاسْتِفْتَاءِ الْمَذْكُورِ الَّذِي لَا جَوَابَ لَهُ غَيْرُهُ، هُوَ أَنْ يُقَالَ: مَنْ خَلَقْتَ يَا رَبَّنَا مِنَ الْمَلَائِكَةِ، وَمَرَدَةِ الْجِنِّ، وَالسَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَالْمَشَارِقِ، وَالْمَغَارِبِ، وَالْكَوَاكِبِ، أَشَدُّ خَلْقًا مِنَّا ; لِأَنَّهَا مَخْلُوقَاتٌ عِظَامٌ أَكْبَرُ وَأَعْظَمُ مِنَّا، فَيَتَّضِحُ بِذَلِكَ الْبُرْهَانُ الْقَاطِعُ عَلَى قُدْرَتِهِ جَلَّ وَعَلَا عَلَى الْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ ; لِأَنَّ مِنَ الْمَعْلُومِ بِالضَّرُورَةِ أَنَّ مَنْ خَلَقَ الْأَعْظَمَ الْأَكْبَرَ كَالسَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَمَا ذُكِرَ مَعَهُمَا قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ الْأَصْغَرَ الْأَقَلَّ ; كَمَا قَالَ تَعَالَى: لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ، أَيْ: وَمَنْ قَدَرَ

<<  <  ج: ص:  >  >>