للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أَفْرَادِ هَذَا الْعُمُومِ، دَاخِلٌ فِيهِ قَطْعًا وَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ: وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ [٢٢ \ ٣٦] فَيَدْخُلُ فِي الْآيَةِ تَعْظِيمُ الْبُدْنِ وَاسْتِسْمَانُهَا وَاسْتِحْسَانُهَا كَمَا قَدَّمْنَا عَنِ الْبُخَارِيِّ: أَنَّهُمْ كَانُوا يُسَمِّنُونَ الْأَضَاحِي، وَكَانُوا يَرَوْنَ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ تَعْظِيمِ شَعَائِرِ اللَّهِ، وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ اللَّهَ صَرَّحَ بِأَنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ دَاخِلَانِ فِي هَذَا الْعُمُومِ بِقَوْلِهِ: إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ الْآيَةَ [٢ \ ١٥٨] وَأَنَّ تَعْظِيمَهَا الْمَنْصُوصَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ التَّهَاوُنِ بِالسَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ كَمَا تَقَدَّمَ إِيضَاحُهُ فِي مَبْحَثِ السَّعْيِ، وَقَوْلُهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ ذَلِكَ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ مِنَ الْإِعْرَابِ.

الْأَوَّلُ: أَنْ يَكُونَ فِي مَحَلِّ رَفْعٍ بِالِابْتِدَاءِ وَالْخَبَرُ مَحْذُوفٌ: أَيْ ذَلِكَ حُكْمُ اللَّهِ وَأَمْرُهُ.

الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ خَبَرَ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ: أَيِ اللَّازِمُ ذَلِكَ أَوِ الْوَاجِبُ ذَلِكَ.

الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ، أَيِ اتَّبِعُوا ذَلِكَ أَوِ امْتَثِلُوا ذَلِكَ، وَمِمَّا يُشْبِهُ هَذِهِ الْإِشَارَةَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ قَالَ زُهَيْرٌ:

هَذَا وَلَيْسَ كَمَنْ يَعِي بِخُطَّتِهِ ... وَسَطَ النَّدَى إِذَا مَا قَائِلٌ نَطَقَا

قَالَهُ الْقُرْطُبِيُّ وَأَبُو حَيَّانَ وَالضَّمِيرُ الْمُؤَنَّثُ فِي قَوْلِهِ: فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: هُوَ عَائِدٌ إِلَى الْفِعْلَةِ الَّتِي يَتَضَمَّنُهَا الْكَلَامُ، ثُمَّ قَالَ: وَقِيلَ إِنَّهُ رَاجِعٌ إِلَى الشَّعَائِرِ بِحَذْفِ مُضَافٍ أَيْ: فَإِنَّ تَعْظِيمَهَا أَيِ الشَّعَائِرَ فَحَذَفَ الْمُضَافَ لِدَلَالَةِ الْكَلَامِ عَلَيْهِ فَرَجَعَ الضَّمِيرُ إِلَى الشَّعَائِرِ، اهـ، وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي الْكَشَّافِ: فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ أَيْ: فَإِنَّ تَعْظِيمَهَا مِنْ أَفْعَالِ ذَوِي تَقْوَى الْقُلُوبِ، فَحُذِفَتْ هَذِهِ الْمُضَافَاتُ وَلَا يَسْتَقِيمُ الْمَعْنَى إِلَّا بِتَقْدِيرِهَا، لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ رَاجِعٍ مِنَ الْجَزَاءِ إِلَى " مِنْ لِيَرْتَبِطَ بِهِ، اهـ مِنْهُ.

قَوْلُهُ تَعَالَى: وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ، أَمَرَ اللَّهُ - جَلَّ وَعَلَا - نَبِيَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُبَشِّرَ الْمُخْبِتِينَ: أَيِ الْمُتَوَاضِعِينَ لِلَّهِ الْمُطْمَئِنِّينَ الَّذِينَ مِنْ صِفَتِهِمْ: أَنَّهُمْ إِذَا سَمِعُوا ذِكْرَ اللَّهِ، وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ أَيْ: خَافَتْ مِنَ اللَّهِ - جَلَّ وَعَلَا - وَأَنْ يُبَشِّرَ الصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ مِنَ الْأَذَى، وَمُتَعَلِّقُ التَّبْشِيرِ مَحْذُوفٌ لِدَلَالَةِ الْمَقَامِ عَلَيْهِ أَيْ بَشِّرْهُمْ بِثَوَابِ اللَّهِ وَجَنَّتِهِ، وَقَدْ بَيَّنَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: أَنَّ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ: هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا وَكَوْنُهُمْ هُمُ الْمُؤْمِنِينَ حَقًّا، يَجْعَلُهُمْ جَدِيرِينَ بِالْبِشَارَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>