للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قَدْ قَدَّمْنَا إِيضَاحَهُ بِالْآيَاتِ الْقُرْآنِيَّةِ بِكَثْرَةٍ فِي سُورَةِ «مَرْيَمَ» ، فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا الْآيَةَ [١٩ \ ٤١ - ٤٢] .

قَوْلُهُ تَعَالَى: وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ، إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ.

اعْلَمْ أَوَّلًا: أَنَّ الْعُلَمَاءَ اخْتَلَفُوا فِي هَذَا الْغُلَامِ الَّذِي أُمِرَ إِبْرَاهِيمُ فِي الْمَنَامِ بِذَبْحِهِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ رُؤْيَا الْأَنْبِيَاءِ وَحْيٌ، ثُمَّ لَمَّا بَاشَرَ عَمَلَ ذَبْحِهِ امْتِثَالًا لِلْأَمْرِ، فَدَاهُ اللَّهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ، هَلْ هُوَ إِسْمَاعِيلُ أَوْ إِسْحَاقُ؟ وَقَدْ وَعَدْنَا فِي سُورَةِ «الْحِجْرِ» ، بِأَنَّا نُوَضِّحُ ذَلِكَ بِالْقُرْآنِ فِي سُورَةِ «الصَّافَّاتِ» ، وَهَذَا وَقْتُ إِنْجَازِ الْوَعْدِ.

اعْلَمْ، وَفَّقَنِي اللَّهُ وَإِيَّاكَ، أَنَّ الْقُرْآنَ الْعَظِيمَ قَدْ دَلَّ فِي مَوْضِعَيْنِ، عَلَى أَنَّ الذَّبِيحَ هُوَ إِسْمَاعِيلُ لَا إِسْحَاقَ. أَحَدِهِمَا فِي «الصَّافَّاتِ» ، وَالثَّانِي فِي «هُودٍ» .

أَمَّا دَلَالَةُ آيَاتِ «الصَّافَّاتِ» عَلَى ذَلِكَ، فَهِيَ وَاضِحَةٌ جِدًّا مِنْ سِيَاقِ الْآيَاتِ، وَإِيضَاحُ ذَلِكَ أَنَّهُ تَعَالَى قَالَ عَنْ نَبِيِّهِ إِبْرَاهِيمَ وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَابُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَاإِبْرَاهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ [٣٧ \ ٩٩ - ١١٠] ، قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ عَاطِفًا عَلَى الْبِشَارَةِ الْأُولَى: وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ [٣٧ \ ١١٢] ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْبِشَارَةَ الْأُولَى شَيْءٌ غَيْرُ الْمُبَشَّرِ بِهِ فِي الثَّانِيَةِ ; لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ حَمْلُ كِتَابِ اللَّهِ عَلَى أَنَّ مَعْنَاهُ: فَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ، ثُمَّ بَعْدَ انْتِهَاءِ قِصَّةِ ذَبْحِهِ يَقُولُ أَيْضًا: وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ، فَهُوَ تَكْرَارٌ لَا فَائِدَةَ فِيهِ يُنَزَّهُ عَنْهُ كَلَامُ اللَّهِ، وَهُوَ وَاضِحٌ فِي أَنَّ الْغُلَامَ الْمُبَشَّرَ بِهِ أَوَّلًا الَّذِي فُدِيَ بِالذَّبْحِ الْعَظِيمِ، هُوَ إِسْمَاعِيلُ، وَأَنَّ الْبِشَارَةَ بِإِسْحَاقَ نَصَّ اللَّهُ عَلَيْهَا مُسْتَقِلَّةً بَعْدَ ذَلِكَ.

وَقَدْ أَوْضَحْنَا فِي سُورَةِ «النَّحْلِ» ، فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً الْآيَةَ [١٦ \ ٩٧] ، أَنَّ الْمُقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ: أَنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>