الْأَرْوَاحَ، وَقِيلَ: أَرْوَاحُ الْمُؤْمِنِينَ تَنْشَطُ عِنْدَ الْفَزَعِ، وَلَمْ يُرَجِّحِ ابْنُ جَرِيرٍ مَعْنًى مِنْهَا، وَقَالَ: كُلُّهَا مُحْتَمَلَةٌ، وَحَكَاهَا غَيْرُهُ كُلَّهَا.
وَقَدْ ذُكِرَ فِي الْجَلَالَيْنِ الْمَعْنَى الْأَوَّلُ مِنْهَا فَقَطْ، وَالَّذِي يَشْهَدُ لَهُ السِّيَاقُ وَالنُّصُوصُ الْأُخْرَى: أَنَّ كُلًّا مِنَ «النَّازِعَاتِ» وَ «النَّاشِطَاتِ» : هُمُ الْمَلَائِكَةُ، وَهُوَ مَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٍ، وَهِيَ صِفَاتٌ لَهَا فِي قَبْضِ الْأَرْوَاحِ.
وَدَلَالَةُ السِّيَاقِ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى: هُوَ أَنَّهُمَا وَصْفَانِ مُتَقَابِلَانِ: الْأَوَّلُ نَزْعٌ بِشِدَّةٍ، وَالْآخَرُ نَشَاطٌ بِخِفَّةٍ، فَيَكُونُ النَّزْعُ غَرْقًا لِأَرْوَاحِ الْكُفَّارِ، وَالنَّشْطُ بِخِفَّةٍ لِأَرْوَاحِ الْمُؤْمِنِينَ، وَقَدْ جَاءَ ذَلِكَ مُفَسَّرًا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى فِي حَقِّ نَزْعِ أَوَرَاحِ الْكُفَّارِ: وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ الْآيَةَ [٦ \ ٩٣] . وَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ [٨ \ ٥٠] ، وَقَالَ تَعَالَى فِي حَقِّ الْمُؤْمِنِينَ: يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً [٨٩ \ ٢٧ - ٢٨] ، وَقَوْلِهِ: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ [٤١ \ ٣٠] .
وَهَذَا يَتَنَاسَبُ كُلَّ الْمُنَاسَبَةِ مَعَ آخَرِ السُّورَةِ الَّتِي قَبْلَهَا إِذْ جَاءَ فِيهَا: إِنَّا أَنْذَرْنَاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ [٧٨ \ ٤٠] ، وَنَظَرُ الْمَرْءِ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ يَبْدَأُ مِنْ حَالَةِ النَّزْعِ حِينَمَا يَثْقُلُ اللِّسَانُ عَنِ النُّطْقِ فِي حَالَةِ الْحَشْرَجَةِ، حِينَ لَا تُقْبَلُ التَّوْبَةُ عِنْدَ الْعَايِنَةِ لِمَا سَيَئُولُ إِلَيْهِ، فَيَنْظُرُ حِينَئِذٍ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ، وَهَذَا عِنْدَ نَزْعِ الرُّوحِ أَوْ نَشْطِهَا. وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَالسَّابِحَاتِ سَبْحًا فَالسَّابِقَاتِ سَبْقًا
قِيلَ: «السَّابِحَاتُ» النُّجُومُ. وَقِيلَ: الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَاللَّيْلُ وَالنَّهَارُ، وَالسَّحَابُ وَالسُّفُنُ وَالْحِيتَانُ فِي الْبِحَارِ، وَالْخَيْلُ فِي الْمَيْدَانِ.
وَذَكَرَهَا كُلَّهَا أَيْضًا ابْنُ جَرِيرٍ وَلَمْ يُرَجِّحْ. وَقَالَ: كُلُّهَا مُحْتَمَلَةٌ، وَذَكَرَهَا غَيْرُهُ كَذَلِكَ.
وَالْوَاقِعُ، فَإِنَّهَا كُلَّهَا آيَاتٌ عِظَامٌ تَدُلُّ عَلَى قُدْرَتِهِ تَعَالَى، إِلَّا أَنَّ السِّيَاقَ فِي أَمْرِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute