بِاللَّيْلِ كَسَلُهُ وَنَوْمُهُ، فَكَانَ نَهَارَهُ هَائِمًا، وَلَيْلَهُ نَائِمًا اهـ، مَحَلُّ الْغَرَضِ مِنْ كَلَامِ الْقُرْطُبِيِّ، وَمَا تَضَمَّنَهُ كَلَامُهُ مِنَ الْجَزْمِ بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ يُبْغِضُ الْحَبْرَ السَّمِينَ» فِيهِ نَظَرٌ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ مَرْفُوعًا، وَقَدْ حَسَّنَهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ كَلَامِ كَعْبٍ، وَمَا ذُكِرَ مِنْ ذَمِّ كَثْرَةِ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالسِّمَنِ الْمُكْتَسَبِ ظَاهِرٌ وَأَدِلَّتُهُ كَثِيرَةٌ «وَحَسْبُ الْمُؤْمِنِ لُقَيْمَاتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ» .
قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا
، ذَكَرَ جَلَّ وَعَلَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ أَنَّ الْأَعْمَالَ الصَّالِحَةَ وَالْإِيمَانَ سَبَبٌ فِي نَيْلِ جَنَّاتِ الْفِرْدَوْسِ، وَالْآيَاتُ الْمُوَضِّحَةُ لِكَوْنِ الْعَمَلِ الصَّالِحِ سَبَبًا فِي دُخُولِ الْجَنَّةِ كَثِيرَةٌ جِدًّا، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا [١٨ \ ٢ - ٣] ، وَقَوْلِهِ: وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [٧ \ ٤٣] ، أَيْ: بِسَبَبِهِ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [٤٣ \ ٧٢] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئًا جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ الْآيَةَ [١٩ \ ٦٠ - ٦١] ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ.
تَنْبِيهٌ
فَإِنْ قِيلَ هَذِهِ الِآيَاتُ فِيهَا الدَّلَالَةُ عَلَى أَنَّ طَاعَةَ اللَّهِ بِالْإِيمَانِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ سَبَبٌ فِي دُخُولِ الْجَنَّةِ، وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَنْ يُدْخِلَ أَحَدَكُمْ عَمَلُهُ الْجَنَّةَ» قَالُوا: وَلَا أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «وَلَا أَنَا إِلَّا أَنْ يَتَغَمَّدَنِي اللَّهُ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ» ، يَرِدُ بِسَبَبِهِ إِشْكَالٌ عَلَى ذَلِكَ.
فَالْجَوَابُ: أَنَّ الْعَمَلَ لَا يَكُونُ سَبَبًا لِدُخُولِ الْجَنَّةِ إِلَّا إِذَا تَقَبَّلَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَتَقَبُّلُهُ لَهُ فَضْلٌ مِنْهُ، فَالْفِعْلُ الَّذِي هُوَ سَبَبٌ لِدُخُولِ الْجَنَّةِ هُوَ الَّذِي تَقَبَّلَهُ اللَّهُ بِفَضْلِهِ، وَغَيْرُهُ مِنَ الْأَعْمَالِ لَا يَكُونُ سَبَبًا لِدُخُولِ الْجَنَّةِ، وَلِلْجَمْعِ بَيْنَ الْحَدِيثِ وَالْآيَاتِ الْمَذْكُورَةِ أَوْجُهٌ أُخَرُ، هَذَا أَظْهَرُهَا عِنْدِي، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.
وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنْ «النُّزُلَ» ، هُوَ مَا يُهَيَّأُ مِنَ الْإِكْرَامِ لِلضَّيْفِ أَوِ الْقَادِمِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا.
أَيْ: خَالِدِينَ فِي جَنَّاتِ الْفِرْدَوْسِ لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا، أَيْ: تَحَوُّلًا إِلَى مَنْزِلٍ آخَرَ ; لِأَنَّهَا لَا يُوجَدُ مَنْزِلٌ أَحْسَنُ مِنْهَا يُرْغَبُ فِي التَّحَوُّلِ إِلَيْهِ عَنْهَا، بَلْ هُمْ خَالِدُونَ فِيهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute