للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى عَدَمِ رَدِّهِمْ إِلَى الدُّنْيَا مَرَّةً أُخْرَى، وَأَشَارَ إِلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ [١٤ \ ٤٤] ، جَوَابًا لِقَوْلِهِمْ: أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ، وَقَوْلِهِ: ذَلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا [٤٠ \ ١٢] ، بَعْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى عَنْهُمْ: فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ [٤٠ \ ١١] ، وَقَوْلِهِ: وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ الْآيَةَ [٤٢ \ ٤٥] ، بَعْدَ قَوْلِهِ: وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ وَلِيٍّ مِنْ بَعْدِهِ وَتَرَى الظَّالِمِينَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ يَقُولُونَ هَلْ إِلَى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ [٤٢ \ ٤٤] ، وَقَوْلِهِ هُنَا قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ الْآيَةَ [٧ \ ٥٣] ، بَعْدَ قَوْلِهِ: فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا أَوْ نُرَدُّ الْآيَةَ.

فَكُلُّ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الرَّدِّ إِلَى الدُّنْيَا، وَعَلَى وُجُوبِ الْعَذَابِ، وَأَنَّهُ لَا مَحِيصَ لَهُمْ عَنْهُ.

وَبَيَّنَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ أَنَّهُمْ لَوْ رُدُّوا لَعَادُوا إِلَى الْكُفْرِ وَالطُّغْيَانِ ; وَهُوَ قَوْلُهُ: وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ الْآيَةَ [٦ \ ٢٨] ، وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ دَلِيلٌ وَاضِحٌ عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى يَعْلَمُ الْمَعْدُومَ الْمُمْكِنَ الَّذِي سَبَقَ فِي عِلْمِهِ أَنَّهُ لَا يُوجَدُ كَيْفَ يَكُونُ لَوْ وُجِدَ، فَهُوَ تَعَالَى يَعْلَمُ أَنَّهُمْ لَا يُرَدُّونَ إِلَى الدُّنْيَا مَرَّةً أُخْرَى، وَيَعْلَمُ هَذَا الرَّدَّ الَّذِي لَا يَكُونُ لَوْ وَقَعَ كَيْفَ يَكُونُ، كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي قَوْلِهِ: وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ، وَيَعْلَمُ أَنَّ الْمُتَخَلِّفِينَ مِنَ الْمُنَافِقِينَ عَنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ لَا يَحْضُرُونَهَا ; لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي ثَبَّطَهُمْ عَنْهَا لِحِكْمَةٍ كَمَا بَيَّنَهُ بِقَوْلِهِ: وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ الْآيَةَ [٩ \ ٤٦] ، وَهُوَ يَعْلَمُ هَذَا الْخُرُوجَ الَّذِي لَا يَكُونُ لَوْ وَقَعَ كَيْفَ يَكُونُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي قَوْلِهِ: لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَا دُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ الْآيَةَ [٩ \ ٤٧] ، وَنَظِيرُ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلَوْ رَحِمْنَاهُمْ وَكَشَفْنَا مَا بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ لَلَجُّوا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ [٢٣ \ ٧٥] ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ.

وَبَيَّنَ فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ أَنَّ اعْتِرَافَهُمْ هَذَا بِقَوْلِهِمْ: قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ لَا يَنْفَعُهُمْ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ [٦٧ \ ١١] ، وَقَوْلِهِ: قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ [٣٩ \ ٧١] ، وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ. \ ٥

قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ.

لَمْ يُفَصِّلْ هُنَا ذَلِكَ، وَلَكِنَّهُ فَصَّلَهُ فِي سُورَةِ «فُصِّلَتْ» بِقَوْلِهِ: قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ

<<  <  ج: ص:  >  >>