وَقَوْلُهُ: حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ أَيْ وَجَبَتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ.
وَقَدْ قَدَّمْنَا الْآيَاتِ الْمُوَضِّحَةَ لِذَلِكَ فِي سُورَةِ «يس» فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ - تَعَالَى -: لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ [٣٦ \ ٧] .
وَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ مِنْ أَنَّ مُنْكِرِي الْبَعْثِ يَحِقُّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ لِكُفْرِهِمْ - قَدْ قَدَّمَنَا الْآيَاتِ الْمُوَضِّحَةَ لَهُ فِي سُورَةِ «الْفُرْقَانِ» فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ - تَعَالَى -: وَأَعْتَدْنَا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيرًا [٢٥ \ ١١] .
قَوْلُهُ - تَعَالَى -: وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ.
مَعْنَى الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ أَنَّهُ يُقَالُ لِلْكُفَّارِ يَوْمَ يُعْرَضُونَ عَلَى النَّارِ: أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ.
فَقَوْلُ: يُعْرَضُونَ عَلَى النَّارِ - قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: مَعْنَاهُ يُبَاشِرُونَ حَرَّهَا، كَقَوْلِ الْعَرَبِ: عَرَضَهُمُ عَلَى السَّيْفِ إِذَا قَتَلَهُمْ بِهِ، وَهُوَ مَعْنًى مَعْرُوفٌ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ.
وَقَدْ ذَكَرَ - تَعَالَى - مِثْلَ مَا ذَكَرَ هُنَا فِي قَوْلِهِ: وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ [٤٦ \ ٣٤] وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْعَرْضِ مُبَاشَرَةُ الْعَذَابِ ; لِقَوْلِهِ: قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ [٦] . وَقَوْلِهِ - تَعَالَى -: وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا [٤٠ \ ٤٥ - ٤٦] ; لِأَنَّهُ عَرْضُ عَذَابٍ.
وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: مَعْنَى عَرْضِهِمْ عَلَى النَّارِ هُوَ تَقْرِيبُهُمْ مِنْهَا، وَالْكَشْفُ لَهُمْ عَنْهَا حَتَّى يَرَوْهَا، كَمَا قَالَ - تَعَالَى -: وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ الْآيَةَ [١٨ \ ٥٣] . وَقَالَ - تَعَالَى -: وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ [٨٩ \ ٢٣] .
وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ فِي الْكَلَامِ قَلْبٌ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ. قَالُوا: وَالْمَعْنَى: وَيَوْمَ تُعْرَضُ النَّارُ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا. قَالُوا: وَهُوَ كَقَوْلِ الْعَرَبِ: عَرَضْتُ النَّاقَةَ عَلَى الْحَوْضِ. يَعْنُونَ عَرَضْتُ الْحَوْضَ عَلَى النَّاقَةِ، وَيَدُلُّ لِهَذَا قَوْلُهُ - تَعَالَى -: وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكَافِرِينَ عَرْضًا [١٨ \ ١٠٠] .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute