وَإِنْ لِمَنْكُورٍ يُضَفْ أَوْ جُرِّدَا ... أَلْزِمْ تَذْكِيرًا وَأَنْ يُوَحَّدَا
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ مُبَيِّنًا بَعْضَ الْآيَاتِ الْمُبَيِّنَةِ لِلْمُرَادِ بِجَدَلِ الْإِنْسَانِ فِي الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ، بَعْدَ أَنْ سَاقَ سَنَدَهُ إِلَى ابْنِ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا، قَالَ: الْجَدَلُ الْخُصُومَةُ خُصُومَةُ الْقَوْمِ لِأَنْبِيَائِهِمْ وَرَدُّهُمْ عَلَيْهِمْ مَا جَاءُوا بِهِ، وَقَرَأَ مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ [٢٣ \ ٣٣] ، وَقَرَأَ: يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ [٢٣ \ ٢٤] ، وَقَرَأَ حَتَّى تَوَفَّى الْآيَةَ وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ [٦ \ ٧] ، وَقَرَأَ: وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ [١٥ \ ١٤] انْتَهَى مِنْ تَفْسِيرِ الطَّبَرِيِّ، وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذِهِ الْآيَاتِ الَّتِي ذُكِرَ عَنِ ابْنِ زَيْدٍ أَنَّهَا مُفَسِّرَةٌ لِجَدَلِ الْإِنْسَانِ الْمَذْكُورِ فِي الْآيَةِ أَنَّهَا كَذَلِكَ، كَمَا قَدَّمْنَا أَنَّ ذَلِكَ هُوَ ظَاهِرُ السِّيَاقِ وَسَبَبُ النُّزُولِ، وَالْآيَاتُ الدَّالَّةُ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ كَثِيرَةٌ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ قُبُلًا.
فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ وَجْهَانِ مِنَ التَّفْسِيرِ مَعْرُوفَانِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَكِلَاهُمَا تَدُلُّ عَلَى مُقْتَضَاهُ آيَاتٌ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى، وَأَحَدُ الْوَجْهَيْنِ أَظْهَرُ عِنْدِي مِنَ الْآخَرِ.
الْأَوَّلُ مِنْهُمَا أَنَّ مَعْنَى الْآيَةِ: وَمَا مَنَعَ النَّاسَ مِنَ الْإِيمَانِ وَالِاسْتِغْفَارِ إِذْ جَاءَتْهُمُ الرُّسُلُ بِالْبَيِّنَاتِ الْوَاضِحَاتِ، إِلَّا مَا سَبَقَ فِي عِلْمِنَا: مِنْ أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ، بَلْ يَسْتَمِرُّونَ عَلَى كُفْرِهِمْ حَتَّى تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ مِنَ الْكُفَّارِ، وَإِتْيَانُ الْعَذَابِ إِيَّاهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ قُبُلًا، وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ فَالْآيَاتُ الدَّالَّةُ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى كَثِيرَةٌ جِدًّا، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ [١٠ \ ٩٦ - ٩٧] وَقَوْلِهِ: وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ [١٠ \ ١٠١] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: إِنْ تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ [١٦ \ ٣٧]
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute