قَوْلُهُ تَعَالَى: وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى.
يَعْنِي أَنَّ فِرْعَوْنَ أَضَلَّ قَوْمَهُ عَنْ طَرِيقِ الْحَقِّ وَمَا هَدَاهُمْ إِلَيْهَا. وَهَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ بَيَّنَ اللَّهُ فِيهَا كَذِبَ فِرْعَوْنَ فِي قَوْلِهِ: قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ [٤٠ ٢٩] وَمِنَ الْآيَاتِ الْمُوَضِّحَةِ لِذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ [١١ ٩٦ - ٩٨] وَالنُّكْتَةُ الْبَلَاغِيَّةُ فِي حَذْفِ الْمَفْعُولِ فِي قَوْلِهِ وَمَا هَدَى وَلَمْ يَقُلْ وَمَا هَدَاهُمْ، هِيَ مُرَاعَاةُ فَوَاصِلِ الْآيَاتِ، وَنَظِيرُهُ فِي الْقُرْآنِ قَوْلُهُ تَعَالَى: مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى [٩٣ ٣] .
قَوْلُهُ تَعَالَى: يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ.
ذَكَرَ جَلَّ وَعَلَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: امْتِنَانَهُ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِإِنْجَائِهِ إِيَّاهُمْ مِنْ عَدُوِّهِمْ فِرْعَوْنَ، وَأَنَّهُ وَاعَدَهُمْ جَانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنِ، وَأَنَّهُ نَزَّلَ عَلَيْهِمُ الْمَنَّ، وَالسَّلْوَى، وَقَالَ لَهُمْ: كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ. وَلَا تَطْغَوْا فَيَغْضَبَ عَلَيْكُمْ رَبُّكُمْ. وَمَا ذَكَرَهُ هُنَا أُوَضِّحُهُ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ. كَقَوْلِهِ فِي امْتِنَانِهِ عَلَيْهِمْ بِإِنْجَائِهِمْ مِنْ عَدُوِّهِمْ فِرْعَوْنَ فِي «سُورَةِ الْبَقَرَةِ» : وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ [٢ ٤٩] وَقَوْلُهُ فِي «الْأَعْرَافِ» : وَإِذْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُقَتِّلُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ [٧ ١٤١] وَقَوْلُهُ فِي «الدُّخَانِ» : وَلَقَدْ نَجَّيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنَ الْعَذَابِ الْمُهِينِ مِنْ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ كَانَ عَالِيًا مِنَ الْمُسْرِفِينَ [٤٤ ٣٠ - ٣١] وَقَوْلُهُ فِي سُورَةِ «إِبْرَاهِيمَ» : وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنْجَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ [١٤ ٦] وَقَوْلُهُ فِي «الشُّعَرَاءِ» كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ [٢٦ ٥٩] وَقَوْلُهُ فِي «الدُّخَانِ» كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ [٤٤ ٢٨] وَقَوْلُهُ فِي «الْأَعْرَافِ» : وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا [٧ ١٣٧] وَقَوْلُهُ فِي «الْقَصَصِ» : وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً إِلَى قَوْلِهِ يَحْذَرُونَ [٢٨ ٦] إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute