للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَقَدْ بَيَّنَ تَعَالَى فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: أَنَّ الْغِطَاءَ الْمَذْكُورَ الَّذِي يَعْشُو بِسَبَبِهِ الْبَصَرُ عَنْ ذِكْرِهِ تَعَالَى يُقَيِّضُ اللَّهُ لِصَاحِبِهِ شَيْطَانًا فَيَجْعَلُهُ لَهُ قَرِينًا، وَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ الْآيَةَ [٤٣ \ ٣٦] .

قَوْلُهُ تَعَالَى: أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِنْ دُونِي أَوْلِيَاءَ إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلًا.

الْهَمْزَةُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: أَفَحَسِبَ لِلْإِنْكَارِ وَالتَّوْبِيخِ، وَفِي الْآيَةِ حَذْفٌ دَلَّ الْمَقَامُ عَلَيْهِ، قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: تَقْدِيرُ الْمَحْذُوفِ هُوَ: أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِنْ دُونِي أَوْلِيَاءَ، وَلَا أُعَاقِبُهُمُ الْعِقَابَ الشَّدِيدَ! كَلَّا! بَلْ سَأُعَاقِبُهُمْ عَلَى ذَلِكَ الْعِقَابَ الشَّدِيدَ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى بَعْدَهُ: إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلًا [١٨ \ ١٠٢] ، وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: تَقْدِيرُهُ: أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِنْ دُونِي أَوْلِيَاءَ وَأَنَّ ذَلِكَ يَنْفَعُهُمْ، كَلَّا لَا يَنْفَعُهُمْ بَلْ يَضُرُّهُمْ، وَيَدُلُّ لِهَذَا قَوْلُهُ تَعَالَى عَنْهُمْ: مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى [٣٩ \ ٣] ، وَقَوْلُهُ عَنْهُمْ: وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ [١٠ \ ١٨] ، ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى بَيَّنَ بُطْلَانَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ [١٠ \ ١٨] ، وَمَا أَنْكَرَهُ عَلَيْهِمْ هُنَا مِنْ ظَنِّهِمْ أَنَّهُمْ يَتَّخِذُونَ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مِنْ عِبَادِهِ وَلَا يُعَاقِبُهُمْ، أَوْ أَنَّ ذَلِكَ يَنْفَعُهُمْ جَاءَ مُبَيَّنًا فِي مَوَاضِعَ، كَقَوْلِهِ فِي أَوَّلِ سُورَةِ «الْأَعْرَافِ» : اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ [٧ \ ٣] ، فَقَدْ نَهَاهُمْ عَنِ اتِّبَاعِ الْأَوْلِيَاءِ مِنْ دُونِهِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ ; لِأَنَّهُ يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ، وَأَمْثَالُ ذَلِكَ كَثِيرَةٌ فِي الْقُرْآنِ مِنَ الْأَدِلَّةِ عَلَى أَنَّهُ لَا وَلِيَّ مِنْ دُونِ اللَّهِ لِأَحَدٍ، وَإِنَّمَا الْمُوَالَاةُ فِي اللَّهِ، كَقَوْلِهِ: أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ الْآيَةَ [١٨ \ ٢٦] ، وَقَوْلِهِ: وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ [١١ \ ١١٣] ، وَقَوْلِهِ: وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ وَلِيٍّ الْآيَةَ [٤٢ \ ٤٤] ، وَقَوْلِهِ: وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ الْآيَةَ [٦ \ ٥١] ، وَقَوْلِهِ: وَذَكِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيٌّ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ، وَسَيَأْتِي لَهُ قَرِيبًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى زِيَادَةُ إِيضَاحٍ وَأَمْثِلَةٍ.

وَالْأَظْهَرُ الْمُتَبَادَرُ مِنَ الْإِضَافَةِ فِي قَوْلِهِ: «عِبَادِي» أَنَّ الْمُرَادَ بِهِمْ نَحْوُ الْمَلَائِكَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>