لَا الْمَكَانِ، وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى: قَالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ قَالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَكَانًا [١٢ \ ٧٢] ، فَتَفْضِيلُ الْمَكَانِ فِي الشَّرِّ هَاهُنَا الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ تَفْضِيلُهُ إِخْوَتَهُ فِي الشَّرِّ عَلَى نَفْسِهِ فِيمَا نَسَبُوا إِلَيْهِ مِنْ شَرِّ السَّرِقَةِ لَا نَفْسَ الْمَكَانِ، اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ يُرَادَ بِذَلِكَ الْمَكَانُ الْمَعْنَوِيُّ، أَيْ: أَنْتُمْ شَرٌّ مَنْزِلَةً عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.
وَقَوْلُهُ فِي هَذِهِ الْآيَاتِ الْمَذْكُورَةِ مَقَامًا، وَنَدِيًّا، وَأَثَاثًا، وَمَكَانًا، وَجُنْدًا، كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا تَمْيِيزٌ مُحَوَّلٌ عَنِ الْفَاعِلِ، كَمَا أَشَارَ لَهُ فِي الْخُلَاصَةِ بِقَوْلِهِ:
وَالْفَاعِلُ الْمَعْنَى انْصِبَنْ بِأَفْعَلَا مُفَضِّلًا كَـ «أَنْتَ أَعْلَى مَنْزِلَا»
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ مَرَدًّا.
قَوْلُهُ جَلَّ وَعَلَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى [١٩ \ ٧٦] ، دَلِيلٌ عَلَى رُجْحَانِ الْقَوْلِ الثَّانِي فِي الْآيَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَأَنَّ الْمَعْنَى: أَنَّ مَنْ كَانَ فِي الضَّلَالَةِ زَادَهُ اللَّهُ ضَلَالَةً، وَمَنِ اهْتَدَى زَادَهُ اللَّهُ هُدًى، وَالْآيَاتُ الدَّالَّةُ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى كَثِيرَةٌ، كَقَوْلِهِ فِي الضَّلَالِ: فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ [٦١ \ ٥] ، وَقَوْلِهِ: بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ [٤ \ ١٥٥] ، وَقَوْلِهِ: ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ [٦٣ \ ٣] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ الْآيَةَ [٦ \ ١١٠] ، كَمَا قَدَّمْنَا كَثِيرًا مِنَ الْآيَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى.
وَقَالَ فِي الْهُدَى: وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ [٤٧ \ ١٧] ، وَقَالَ: هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ [٤٨ \ ٤] ، وَقَالَ: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا الْآيَةَ [٢٩ \ ٦٩] ، وَقَدْ جَمَعَ بَيْنَهُمَا فِي آيَاتٍ أُخَرَ، كَقَوْلِهِ: وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا [١٧ \ ٨٢] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى الْآيَةَ [٤١ \ ٤٤] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ [٩ \ ١٢٤ - ١٢٥] ، كَمَا تَقَدَّمَ إِيضَاحُهُ.
وَقَوْلُهُ: وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ مَرَدًّا [١٩ \ ٧٦] ، تَقَدَّمَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute