وَالْعِظَامِ مِنْ شِدَّةِ الْكِبَرِ.
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ فِي «تَفْسِيرِهِ» : وَكُلُّ مُتَنَاهٍ إِلَى غَايَتِهِ فِي كِبْرٍ أَوْ فَسَادٍ أَوْ كُفْرٍ فَهُوَ عَاتٍ، وَعَاسٍ. قَوْلُهُ تَعَالَى عَنْ زَكَرِيَّا: امْرَأَتِي عَاقِرًا [١٩ \ ٨] ، لَمْ يُبَيِّنْ هُنَا هَلْ كَانَتْ كَذَلِكَ أَيَّامَ شَبَابِهَا، وَلَكِنَّهُ بَيَّنَ فِي سُورَةِ «مَرْيَمَ» أَنَّهَا كَانَتْ كَذَلِكَ قَبْلَ كِبَرِهَا بِقَوْلِهِ عَنْهُ: وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا الْآيَةَ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ، لَمْ يُبَيِّنْ هَلِ الْمَانِعُ لَهُ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ بُكْمٌ طَرَأَ لَهُ، أَوْ آفَةٌ تَمْنَعُهُ مِنْ ذَلِكَ، أَوْ لَا مَانِعَ لَهُ إِلَّا اللَّهُ وَهُوَ صَحِيحٌ لَا عِلَّةَ لَهُ.
وَلَكِنَّهُ بَيَّنَ فِي سُورَةِ «مَرْيَمَ» أَنَّهُ لَا بَأْسَ عَلَيْهِ وَأَنَّ انْتِفَاءَ التَّكَلُّمِ عَنْهُ لَا لِبُكْمٍ، وَلَا مَرَضٍ وَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا [١٩ \ ١٠] ; لِأَنَّ قَوْلَهُ سَوِيًّا حَالٌ مِنْ فَاعِلِ تُكَلِّمَ مُفِيدٌ لِكَوْنِ انْتِفَاءِ التَّكَلُّمِ بِطَرِيقِ الْإِعْجَازِ وَخَرْقِ الْعَادَةِ، لَا لِاعْتِقَالِ اللِّسَانِ بِمَرَضٍ، أَيْ: يَتَعَذَّرُ عَلَيْكَ تَكْلِيمُهُمْ وَلَا تُطِيقُهُ، فِي حَالِ كَوْنِكَ سَوِيَّ الْخَلْقِ سَلِيمَ الْجَوَارِحِ، مَا بِكَ شَائِبَةٌ بُكْمٌ وَلَا خَرَسٌ، وَهَذَا مَا عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ، وَيَشْهَدُ لَهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ [٣ \ ٤١] .
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ سَوِيًّا عَائِدٌ إِلَى اللَّيَالِي. أَيْ: كَامِلَاتٍ مُسْتَوِيَاتٍ، فَيَكُونُ صِفَةَ الثَّلَاثِ، وَعَلَيْهِ فَلَا بَيَانَ بِهَذِهِ الْآيَةِ لِآيَةِ «آلِ عِمْرَانَ» .
قَوْلُهُ تَعَالَى: إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ الْآيَةَ، لَمْ يُبَيِّنْ هُنَا هَذِهِ الْكَلِمَةَ الَّتِي أُطْلِقَتْ عَلَى عِيسَى ; لِأَنَّهَا هِيَ السَّبَبُ فِي وُجُودِهِ مِنْ إِطْلَاقِ السَّبَبِ وَإِرَادَةِ مُسَبِّبِهِ، وَلَكِنَّهُ بَيَّنَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ أَنَّهَا لَفْظَةُ كُنْ، وَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ: إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ [٣ \ ٥٩] ، وَقِيلَ: الْكَلِمَةُ بِشَارَةُ الْمَلَائِكَةِ لَهَا بِأَنَّهَا سَتَلِدُهُ وَاخْتَارَهُ ابْنُ جَرِيرٍ، وَالْأَوَّلُ قَوْلُ الْجُمْهُورِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ، لَمْ يُبَيِّنْ هُنَا مَا كَلَّمَهُمْ بِهِ فِي الْمَهْدِ، وَلَكِنَّهُ بَيَّنَهُ فِي سُورَةِ «مَرْيَمَ» بِقَوْلِهِ: فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا [١٩ \ ٢٩ \ ٣٣] .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute