قُلْنَا: يَكْفِي فِي ذَلِكَ حُكْمُ الْأَغْلَبِ، وَهُوَ مَا يُصَدِّقُهُ الْوَاقِعُ، إِذْ آمَنَ بَعْضُهُمْ وَعَبَدَ مَعْبُودَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَا فِي قَوْلِهِ: مَا تَعْبُدُونَ وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ، وَاقِعَةٌ فِي الْأُولَى عَلَى غَيْرِ ذِي عِلْمٍ، وَهِيَ أَصْنَامُهُمْ وَهُوَ اسْتِعْمَالُهَا الْأَسَاسِيُّ.
وَفِي الثَّانِيَةِ: فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ اسْتِعْمَالُهَا فِي غَيْرِ اسْتِعْمَالِهَا الْأَسَاسِيِّ، فَقِيلَ: مِنْ أَجْلِ الْمُقَابَلَةِ، وَقَدِ اسْتُعْمِلَتْ فِيمَنْ يَعْلَمُ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ [٤ \ ٣] ; لِأَنَّهُنَّ فِي مَعْرِضِ الِاسْتِمْتَاعِ بِهِنَّ، فَلِلْقَرِينَةِ جَازَ ذَلِكَ.
وَقِيلَ: إِنَّهَا مَعَ مَا قَبْلَهَا مَصْدَرِيَّةٌ، أَيْ: مَا مَصْدَرِيَّةٌ بِمَعْنَى عِبَادَتِكُمُ الْبَاطِلَةِ، وَلَا تَعْبُدُونَ عِبَادَاتِي الصَّحِيحَةَ.
وَهَذَا الْمَعْنَى قَوِيٌّ، وَإِنْ تَعَارَضَ مَعَ مَا ذُكِرَ مِنْ سَبَبِ النُّزُولِ، إِلَّا أَنَّ لَهُ شَاهِدًا مِنْ نَفْسِ السُّورَةِ وَيَتَضَمَّنُ الْمَعْنَى الْأَوَّلِ، وَدَلِيلُهُ مِنَ السُّورَةِ قَوْلُهُ تَعَالَى فِي آخِرِ السُّورَةِ: لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ [١٠٩ \ ٦] ، فَأَحَالَهُمْ عَلَى عِبَادَتِهِمْ، وَلَمْ يُحِلْهُمْ عَلَى مَعْبُودِهِمْ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ.
هُوَ نَظِيرُ مَا تَقَدَّمَ فِي سُورَةِ يُونُسَ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ [١٠ \ ٤١] .
وَكَقَوْلِهِ: لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ [٢٨ \ ٥٥] .
وَلَيْسَ فِي هَذَا تَقْرِيرُهُمْ عَلَى دِينِهِمُ الَّذِي هُمْ عَلَيْهِ، وَلَكِنْ مِنْ قَبِيلِ التَّهْدِيدِ وَالْوَعِيدِ كَقَوْلِهِ: وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا [١٨ \ ٢٩] .
وَفِي هَذِهِ السُّورَةِ قَوْلُهُ: قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ وَصْفٌ يَكْفِي بِأَنَّ عِبَادَتَهُمْ وَدِيَانَتَهُمْ كُفْرٌ.
وَقَدْ قَالَ لَهُمُ الْحَقُّ: لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ بَاطِلَةٌ، عِبَادَةُ الْكُفَّارِ، وَبَعْدَ ذَلِكَ إِنْ أَبَيْتُمْ إِلَّا هِيَ فَلَكُمْ دِينُكُمْ وَلِي دِينِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute