للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْعَذَابِ، وَسَبَقَتْ لَهُ فِي عِلْمِ اللَّهِ الشَّقَاوَةُ لَا يَنْفَعُهُ وُضُوحُ أَدِلَّةِ الْحَقِّ، وَذَكَرَ هَذَا الْمَعْنَى فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ [١٠ \ ١٠١] ، وَقَوْلِهِ: وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا [٥٤ \ ٢] ، وَقَوْلِهِ: وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ [٦ \ ٤] ، وَقَوْلِهِ: وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ [١٢ \ ١٠٥] ، وَقَوْلِهِ: سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ [٢ \ ٦] .

وَالْآيَاتُ بِمِثْلِ ذَلِكَ كَثِيرَةٌ جِدًّا.

قَوْلُهُ تَعَالَى: إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ.

ظَاهِرُ هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ أَنَّ إِيمَانَ قَوْمِ يُونُسَ مَا نَفَعَهُمْ إِلَّا فِي الدُّنْيَا دُونَ الْآخِرَةِ، لِقَوْلِهِ: كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا.

وَيُفْهَمُ مِنْ مَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ فِي قَوْلِهِ: فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا أَنَّ الْآخِرَةَ لَيْسَتْ كَذَلِكَ، وَلَكِنَّهُ تَعَالَى أَطْلَقَ عَلَيْهِمُ اسْمَ الْإِيمَانِ مِنْ غَيْرِ قَيْدٍ فِي سُورَةِ «الصَّافَّاتِ» ، وَالْإِيمَانُ مُنْقِذٌ مِنْ عَذَابِ الدُّنْيَا وَعَذَابِ الْآخِرَةِ، كَمَا أَنَّهُ بَيَّنَ فِي «الصَّافَّاتِ» أَيْضًا كَثْرَةَ عَدَدِهِمْ، وَكُلُّ ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ فَآمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ [١٤٧، ١٤٨] .

قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا الْآيَةَ.

صَرَّحَ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ أَنَّهُ لَوْ شَاءَ إِيمَانَ جَمِيعِ أَهْلِ الْأَرْضِ لَآمَنُوا كُلُّهُمْ جَمِيعًا، وَهُوَ دَلِيلٌ وَاضِحٌ عَلَى أَنَّ كُفْرَهُمْ وَاقِعٌ بِمَشِيئَتِهِ الْكَوْنِيَّةِ الْقَدَرِيَّةِ، وَبَيَّنَ ذَلِكَ أَيْضًا فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا الْآيَةَ [٦ \ ١٠٧] ، وَقَوْلِهِ: وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا [٣٢ \ ١٣] ، وَقَوْلِهِ: وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى [٦ \ ١٠٧] إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ.

قَوْلُهُ تَعَالَى: أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ.

بَيَّنَ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ أَنَّ مَنْ لَمْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَلَا يُمْكِنُ أَحَدًا أَنْ يَقْهَرَ قَلْبَهُ عَلَى الِانْشِرَاحِ إِلَى الْإِيمَانِ إِلَّا إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهِ ذَلِكَ.

وَأَوْضَحَ ذَلِكَ الْمَعْنَى فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ، كَقَوْلِهِ: وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا [٥ \ ٤١] ، وَقَوْلِهِ: إِنْ تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ الْآيَةَ

<<  <  ج: ص:  >  >>