للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كَمَا تَقَدَّمَ إِيضَاحُهُ.

وَقَالَ ابْنُ كَثِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ هَذِهِ الْآيَةَ الْكَرِيمَةَ: وَالْمُرَادُ أَنَّهُمَا لَا يَفْتُرَانِ فِي ذِكْرِ اللَّهِ فِي حَالِ مُوَاجِهَةِ فِرْعَوْنَ. لِيَكُونَ ذِكْرُ اللَّهِ عَوْنًا لَهُمَا عَلَيْهِ، وَقُوَّةً لَهُمَا وَسُلْطَانًا كَاسِرًا لَهُ، كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ: «إِنَّ عَبْدِي كُلَّ عَبْدِي الَّذِي يَذْكُرُنِي وَهُوَ مُنَاجِزٌ قِرْنَهُ» اه مِنْهُ.

وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: وَلَا تَنِيَا فِي ذِكْرِي لَا تَزَالَا فِي ذِكْرِي. وَاسْتُشْهِدَ لِذَلِكَ بِقَوْلِ طَرَفَةَ:

كَأَنَّ الْقُدُورَ الرَّاسِيَاتِ أَمَامَهُمْ ... قِبَابٌ بَنَوْهَا لَا تَنِي أَبَدًا تَغْلِي

أَيْ لَا تَزَالُ تَغْلِي. وَمَعْنَاهُ رَاجِعٌ إِلَى مَا ذَكَرْنَا. وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.

قَوْلُهُ تَعَالَى: فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى.

أَمَرَ اللَّهُ جَلَّ وَعَلَا نَبِيَّهُ مُوسَى وَهَارُونَ عَلَيْهِمَا وَعَلَى نَبِيِّنَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامِ: أَنْ يَقُولَا لِفِرْعَوْنَ فِي حَالِ تَبْلِيغِ رِسَالَةِ اللَّهِ إِلَيْهِ «قَوْلًا لَيِّنًا» أَيْ كَلَامًا لَطِيفًا سَهْلًا رَقِيقًا، لَيْسَ فِيهِ مَا يُغْضِبُ وَيُنَفِّرُ. وَقَدْ بَيَّنَ جَلَّ وَعَلَا الْمُرَادَ بِالْقَوْلِ اللَّيِّنِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ بِقَوْلِهِ: اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى [٧٩ ١٧ - ١٨] وَهَذَا، وَاللَّهِ غَايَةُ لِينِ الْكَلَامِ وَلَطَافَتِهِ وَرِقَّتِهِ كَمَا تَرَى. وَمَا أُمِرَ بِهِ مُوسَى وَهَارُونُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ أَشَارَ لَهُ تَعَالَى فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ، كَقَوْلِهِ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [١٦ ١٢٥] .

مَسْأَلَةٌ

يُؤْخَذُ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: أَنَّ الدَّعْوَةَ إِلَى اللَّهِ يَجِبُ أَنْ تَكُونَ بِالرِّفْقِ، وَاللِّينِ. لَا بِالْقَسْوَةِ، وَالشِّدَّةِ، وَالْعُنْفِ. كَمَا بَيَّنَّاهُ فِي سُورَةِ «الْمَائِدَةِ» فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ [الْآيَةَ ١٠٥] . وَقَالَ ابْنُ كَثِيرٍ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ: قَالَ يَزِيدُ الرَّقَاشِيُّ عِنْدَ قَوْلِهِ فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا [٢٠ ٤٤] : يَا مَنْ يَتَحَبَّبُ إِلَى مَنْ يُعَادِيهِ، فَكَشَفَ بِمَنْ يَتَوَلَّاهُ وَيُنَادِيهِ؟ اه وَلَقَدْ صَدَقَ مَنْ قَالَ:

وَلَوْ أَنَّ فِرْعَوْنَ لَمَّا طَغَى ... وَقَالَ عَلَى اللَّهِ إِفْكًا وَزُورًا

أَنَابَ إِلَى اللَّهِ مُسْتَغْفِرًا ... لَمَا وَجَدَ اللَّهَ إِلَّا غَفُورًا

<<  <  ج: ص:  >  >>