للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الِامْتِنَاعُ، وَمِنْهُ النُّكُولُ عَنِ الْيَمِينِ، وَالنَّكْلُ الْقَيْدُ. قَالَهُ الْقُرْطُبِيُّ.

وَاخْتُلِفَ فِي «الْآخِرَةِ وَالْأُولَى» : أَهُمُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ؟ أَمْ هُمُ الْكَلِمَتَانِ الْعَظِيمَتَانِ اللَّتَانِ تَكَلَّمَ بِهِمَا فِرْعَوْنُ فِي قَوْلِهِ: مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي [٢٨ \ ٣٨] .

وَالثَّانِيَةُ قَوْلُهُ: أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى [٧٩ \ ٢٤] .

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَكَانَ بَيْنَهُمَا أَرْبَعُونَ سَنَةً. وَقَدِ اخْتَارَ ابْنُ كَثِيرٍ الْأَوَّلَ، وَاخْتَارَ ابْنُ جَرِيرٍ الثَّانِيَ، وَمَعَهُ كَثِيرٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ.

وَلَكِنْ يُرَدُّ عَلَى اخْتِيَارِ ابْنِ كَثِيرٍ: أَنَّ السِّيَاقَ قَدَّمَ الْآخِرَةَ، مَعَ أَنَّ تَعْذِيبَ فِرْعَوْنَ مُقَدَّمٌ فِيهِ نَكَالُ الْأُولَى، وَهِيَ الدُّنْيَا.

كَمَا يُرَدُّ عَلَى اخْتِيَارِ ابْنِ جَرِيرٍ، أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ أَخْذَهُ إِيَّاهُ نَكَالًا، لِيَعْتَبِرَ بِهِ مَنْ يَخْشَى، وَالْعِبْرَةُ تَكُونُ أَشَدَّ بِالْمَحْسُوسِ، وَكَلِمَتَاهُ قِيلَتَا فِي زَمَنِهِ.

وَالْقُرْآنُ يَشْهَدُ لِمَا قَالَهُ ابْنُ كَثِيرٍ، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً [١٠ \ ٩٢] ، وَهَذَا هُوَ مَحَلُّ الِاعْتِبَارِ.

وَقَدْ قَالَ تَعَالَى بَعْدَ الْآيَةِ: إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى [٧٩ \ ٢٦] .

وَاسْمُ الْإِشَارَةِ فِي قَوْلِهِ: «إِنَّ فِي ذَلِكَ» : رَاجِعٌ إِلَى الْأَخْذِ وَالنَّكَالِ الْمَذْكُورَيْنِ، أَيِ: الْمَصْدَرُ الْمَفْهُومُ ضِمْنًا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: فَأَخَذَهُ اللَّهُ، وَقَوْلِهِ: «نَكَالَ» ، بَلْ إِنَّ «نَكَالَ» مَصْدَرٌ بِنَفْسِهِ، أَيْ: فَأَخَذَهُ اللَّهُ وَنَكَّلَ بِهِ، وَجَعَلَ نَكَالَهُ بِهِ عِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى.

قَوْلُهُ تَعَالَى: أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا

لَمَّا كَانَ فِرْعَوْنُ عَلَى تِلْكَ الْمَثَابَةِ مِنَ الطُّغْيَانِ وَالْكُفْرِ، وَكَانَ مِنْ أَسْبَابِ طُغْيَانِهِ الْمُلْكُ وَالْقُوَّةُ، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ [٨٩ \ ١٠] ، وَقَوْلِهِ: إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ [٢٨ \ ٤] ، وَقَوْلِهِ عَنْهُ: أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي [٤٣ \ ٥١] .

وَهَذِهِ كُلُّهَا مَظَاهِرُ طُغْيَانِهِ وَعَوَامِلُ قُوَّتِهِ، خَاطَبَهُمُ اللَّهُ بِمَا آلَ إِلَيْهِ هَذَا الطُّغْيَانُ، ثُمَّ خَاطَبَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ مُحَذِّرًا مِنْ طُغْيَانِ الْقُوَّةِ: أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ، حَتَّى لَوْ

<<  <  ج: ص:  >  >>