رَاجِعٌ إِلَى الْقُرْآنِ، كَمَا رُوِيَ عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ وَصَدَّرَ بِهِ الْقُرْطُبِيُّ، وَصَدَّرَ الزَّمَخْشَرِيُّ بِمَا يَقْرُبُ مِنْهُ.
وَإِذَا عَلِمْتَ أَنَّ التَّحْقِيقَ أَنَّ الضَّمِيرَ فِي: صَرَّفْنَاهُ، عَائِدٌ إِلَى مَاءِ الْمَطَرِ.
فَاعْلَمْ أَنَّ الْمَعْنَى: وَلَقَدْ صَرَّفْنَا مَاءَ الْمَطَرِ بَيْنَ النَّاسِ فَأَنْزَلْنَا مَطَرًا كَثِيرًا فِي بَعْضِ السِّنِينَ عَلَى بَعْضِ الْبِلَادِ، وَمَنَعْنَا الْمَطَرَ فِي بَعْضِ السِّنِينَ عَنْ بَعْضِ الْبِلَادِ، فَيَكْثُرُ الْخِصْبُ فِي بَعْضِهَا، وَالْجَدْبُ فِي بَعْضِهَا الْآخَرِ، وَقَوْلُهُ: لِيَذَّكَّرُوا، أَيْ: صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِأَجْلِ أَنْ يَتَذَكَّرُوا، أَيْ: يَتَذَكَّرَ الَّذِينَ أَخْصَبَتْ أَرْضُهُمْ لِكَثْرَةِ الْمَطَرِ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْهِمْ، فَيَشْكُرُوا لَهُ، وَيَتَذَكَّرَ الَّذِينَ أَجْدَبَتْ أَرْضُهُمْ مَا نَزَلَ بِهِمْ مِنَ الْبَلَاءِ، فَيُبَادِرُوا بِالتَّوْبَةِ إِلَى اللَّهِ جَلَّ وَعَلَا لِيَرْحَمَهُمْ وَيَسْقِيَهُمْ، وَقَوْلُهُ: فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا، أَيْ: كُفْرًا لِنِعْمَةِ مَنْ أَنْزَلَ عَلَيْهِمُ الْمَطَرَ، وَذَلِكَ بِقَوْلِهِمْ: مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا.
وَهَذَا الْمَعْنَى الَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ، أَشَارَ لَهُ جَلَّ وَعَلَا فِي سُورَةِ «الْوَاقِعَةِ» ، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ [٥٦ \ ٨٢] فَقَوْلُهُ: رِزْقَكُمْ، أَيِ: الْمَطَرَ ; كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ رِزْقًا [٤٠ \ ١٣] وَقَوْلُهُ: أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ، أَيْ: بِقَوْلِكُمْ: مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا، وَيَزِيدُ هَذَا إِيضَاحًا الْحَدِيثُ الثَّابِتُ فِي صَحِيحٍ مُسْلِمٍ، وَقَدْ قَدَّمْنَاهُ بِسَنَدِهِ وَمَتْنِهِ مُسْتَوْفًى، وَهُوَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِأَصْحَابِهِ يَوْمًا عَلَى أَثَرِ سَمَاءٍ أَصَابَتْهُمْ مِنَ اللَّيْلِ: «أَتَدْرُونَ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ» ؟ قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: «قَالَ: أَصْبَحَ عِبَادِي مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ، فَأَمَّا مَنْ قَالَ: مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ، فَذَاكَ مُؤْمِنٌ بِي كَافِرٌ بِالْكَوْكَبِ. وَأَمَّا مَنْ قَالَ: مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا وَكَذَا، فَذَاكَ كَافِرٌ بِي مُؤْمِنٌ بِالْكَوْكَبِ» .
وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا، يَدْخُلُ فِيهِ مَنْ قَالَ: مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا. وَمَنْ قَالَ: مُطِرْنَا بِالْبُخَارِ، يَعْنِي أَنَّ الْبَحْرَ يَتَصَاعَدُ مِنْهُ بُخَارُ الْمَاءِ، ثُمَّ يَتَجَمَّعُ ثُمَّ يَنْزِلُ عَلَى الْأَرْضِ بِمُقْتَضَى الطَّبِيعَةِ لَا بِفِعْلِ فَاعِلٍ، وَأَنَّ الْمَطَرَ مِنْهُ ; كَمَا تَقَدَّمَ إِيضَاحُهُ فَسُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُ الظَّالِمُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا.
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيرًا فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute