للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَعِيسَى وَعُزَيْرٍ، لَا الشَّيَاطِينُ وَنَحْوُهُمْ ; لِأَنَّ مِثْلَ هَذِهِ الْإِضَافَةِ لِلتَّشْرِيفِ غَالِبًا، وَقَدْ بَيَّنَ تَعَالَى: أَنَّهُمْ لَا يَكُونُونَ أَوْلِيَاءَ لَهُمْ فِي قَوْلِهِ: وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ الْآيَةَ [٣٤ \ ٤٠ - ٤١] ، وَقَوْلِهِ: إِنَّا أَعْتَدْنَا [١٨ \ ١٠٢] ، قَدْ أَوْضَحْنَا مَعْنَاهُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا الْآيَةَ [١٨ \ ٢٩] ، فَأَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ هُنَا، وَفِي قَوْلِهِ: نُزُلًا أَوْجُهٌ مِنَ التَّفْسِيرِ لِلْعُلَمَاءِ، أَظْهَرُهَا: أَنْ «النُّزُلَ» هُوَ مَا يُقَدَّمُ لِلضَّيْفِ عِنْدَ نُزُولِهِ، وَالْقَادِمُ عِنْدَ قُدُومِهِ، وَالْمَعْنَى: أَنَّ الَّذِي يُهَيَّأُ لَهُمْ مِنَ الْإِكْرَامِ عِنْدَ قُدُومِهِمْ إِلَى رَبِّهِمْ هُوَ جَهَنَّمُ الْمُعَدَّةُ لَهُمْ، كَقَوْلِهِ: فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ [٨٤ \ ٢٤] ، وَقَوْلِهِ: يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ [١٨ \ ٢٩] ، وَقَدْ قَدَّمْنَا شَوَاهِدَهُ الْعَرَبِيَّةَ فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى، يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ ; لِأَنَّ ذَلِكَ الْمَاءَ الَّذِي يَشْوِي الْوُجُوهَ لَيْسَ فِيهِ إِغَاثَةٌ، كَمَا أَنَّ جَهَنَّمَ لَيْسَتْ نُزُلَ إِكْرَامِ الضَّيْفِ أَوْ قَادِمٍ.

الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ «نُزُلًا» بِمَعْنَى الْمَنْزِلِ، أَيْ: أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ مَنْزِلًا، أَيْ: مَكَانَ نُزُولٍ، لَا مَنْزِلَ لَهُمْ غَيْرُهَا، وَأَضْعَفُ الْأَوْجُهِ مَا زَعَمَهُ بَعْضُهُمْ مِنْ أَنَّ «النُّزُلَ» جَمْعُ نَازِلٍ، كَجَمْعِ الشَّارِفِ عَلَى شُرُفٍ بِضَمَّتَيْنِ، وَالَّذِي يَظْهَرُ فِي إِعْرَابِ «نُزُلًا» أَنَّهُ حَالٌ مُؤَوَّلَةٌ بِمَعْنَى الْمُشْتَقِّ، أَوْ مَفْعُولٌ لِـ «أَعْتَدْنَا» بِتَضْمِينِهِ مَعْنَى صَيَّرْنَا أَوْ جَعَلْنَا، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

قَوْلُهُ تَعَالَى: قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا.

الْمَعْنَى: قُلْ لَهُمْ يَا نَبِيَّ اللَّهِ: هَلْ نُنَبِّئُكُمْ، أَيْ: نُخْبِرُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا، أَيْ: بِالَّذِينَ هُمْ أَخْسَرُ النَّاسِ أَعْمَالًا وَأَضْيَعُهَا، فَالْأَخْسَرُ صِيَغَةُ تَفْضِيلٍ مِنَ الْخُسْرَانِ وَأَصْلُهُ نَقْصُ مَالِ التَّاجِرِ، وَالْمُرَادُ بِهِ فِي الْقُرْآنِ غَبْنُهُمْ بِسَبَبِ كُفْرِهِمْ وَمَعَاصِيهِمْ فِي حُظُوظِهِمْ مِمَّا عِنْدَ اللَّهِ لَوْ أَطَاعُوهُ، وَقَوْلُهُ: أَعْمَالًا مَنْصُوبٌ عَلَى التَّمْيِيزِ:

فَإِنْ قِيلَ: نَبِّئْنَا بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا مَنْ هُمْ؟

كَانَ الْجَوَابُ: هُمُ الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا، وَبِهِ تَعْلَمُ أَنَّ «الَّذِينَ» مِنْ قَوْلِهِ: الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ [١٨ \ ١٠٤] ، خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ جَوَابًا لِلسُّؤَالِ الْمَفْهُومِ مِنَ الْمَقَامِ، وَيَجُوزُ نَصْبُهُ عَلَى الذَّمِّ، وَجَرُّهُ عَلَى أَنَّهُ بَدَلٌ مِنَ الْأَخْسَرِينَ، أَوْ نَعْتٌ لَهُ، وَقَوْلُهُ: ضَلَّ سَعْيُهُمْ، أَيْ: بَطَلَ عَمَلُهُمْ وَحَبِطَ، فَصَارَ كَالْهَبَاءِ وَكَالسَّرَابِ وَكَالرَّمَادِ! كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا [٢٥ \ ٢٣] ،

<<  <  ج: ص:  >  >>