الْقِرَاءَتَانِ السَّبْعِيَّتَانِ فِي قَوْلِهِ: وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ [١٦ \ ٦٦] فَإِنَّهُ قَرَأَهُ بَعْضُ السَّبْعَةِ بِضَمِّ النُّونِ مِنْ أَسْقَى الرُّبَاعِيِّ، وَقَرَأَهُ بَعْضُهُمْ بِفَتْحِهَا مِنْ سَقَى الثُّلَاثِيِّ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا قَوْلُ لَبِيدٍ:
سَقَى قَوْمِي بَنِي مَجْدٍ وَأَسْقَى ... نُمَيْرًا وَالْقَبَائِلَ مِنْ هِلَالِ
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ.
فِيهِ لِلْعُلَمَاءِ وَجْهَانِ مِنَ التَّفْسِيرِ كِلَاهُمَا يَشْهَدُ لَهُ قُرْآنُ الْأَوَّلِ: أَنَّ مَعْنَى وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ [١٥ \ ٢٢] أَيْ لَيْسَتْ خَزَائِنُهُ عِنْدَكُمْ بَلْ نَحْنُ الْخَازِنُونَ لَهُ، نُنَزِّلُهُ مَتَى شِئْنَا، وَهَذَا الْوَجْهُ تَدُلُّ عَلَيْهِ آيَاتٌ كَقَوْلِهِ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ [١٥ \ ٢١] وَقَوْلِهِ: وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْآيَةَ [٦٣ \ ٧] وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ، الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ مَعْنَى وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ بَعْدَ أَنْ أَنْزَلْنَاهُ عَلَيْكُمْ، أَيْ لَا تَقْدِرُونَ عَلَى حِفْظِهِ فِي الْآبَارِ وَالْعُيُونِ وَالْغُدْرَانِ، بَلْ نَحْنُ الْحَافِظُونَ لَهُ فِيهَا، لِيَكُونَ ذَخِيرَةً لَكُمْ عِنْدَ الْحَاجَةِ، وَيَدُلُّ لِهَذَا الْوَجْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ [٢٣ \ ١٨] وَقَوْلُهُ: قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ [٦٧] وَقَوْلُهُ: أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا [١٨ \ ٤١] وَقَوْلُهُ: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ الْآيَةَ [٣٩ \ ٢١] إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِ وَنُمِيتُ.
بَيَّنَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ أَنَّهُ هُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ، وَأَوْضَحَ ذَلِكَ مِنْ آيَاتٍ كَثِيرَةٍ كَقَوْلِهِ: إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ [٥٠ \ ٤٣] وَقَوْلِهِ تَعَالَى: رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ [٢ \ ٢٥٨] وَقَوْلِهِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ [٤٤ \ ٨] وَبَيَّنَ فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ أَنَّهُ أَحْيَاهُمْ مَرَّتَيْنِ وَأَمَاتَهُمْ مَرَّتَيْنِ كَقَوْلِهِ: قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ [٤٠ \ ١١] الآية وَقَوْلِهِ كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ الْآيَةَ [٢ \ ٢٨] وَالْإِمَاتَةُ الْأُولَى هِيَ كَوْنُهُمْ نُطَفًا وَعَلَقًا وَمُضَغًا، وَالْإِمَاتَةُ الثَّانِيَةُ هِيَ مَوْتُهُمْ عِنْدَ انْقِضَاءِ آجَالِهِمْ فِي الدُّنْيَا، وَالْإِحْيَاءَةُ الْأُولَى نَفْخُ الرُّوحِ فِيهِمْ وَإِخْرَاجُهُمْ أَحْيَاءً مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِهِمْ، وَالْإِحْيَاءَةُ الثَّانِيَةُ بَعْثُهُمْ مِنْ قُبُورِهِمْ أَحْيَاءً يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَسَيَأْتِي لَهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى زِيَادَةُ إِيضَاحٍ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute