كَوْنِهِ (أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا) وَهَذَا الْوَجْهُ جَيِّدٌ ظَاهِرٌ، وَإِنَّمَا سَاغَ إِتْيَانُ الْحَالِ مِنَ النَّكِرَةِ وَهِيَ مُتَأَخِّرَةٌ عَنْهَا ; لِأَنَّ النَّكِرَةَ الَّتِي هِيَ (أَمْرٌ) وُصِفَتْ بِقَوْلِهِ (حَكِيمٍ) كَمَا لَا يَخْفَى.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ (أَمْرًا) مَفْعُولٌ بِهِ لِقَوْلِهِ: (مُنْذِرِينَ) [٤٤ \ ٣] . وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ.
وَاخْتَارَ الزَّمَخْشَرِيُّ أَنَّهُ مَنْصُوبٌ بِالِاخْتِصَاصِ، فَقَالَ: جَعَلَ كُلَّ أَمْرٍ جَزْلًا فَخْمًا، بِأَنَّ وَصْفَهُ بِالْحَكِيمِ، ثُمَّ زَادَهُ جَزَالَةً وَأَكْسَبَهُ فَخَامَةً، بِأَنْ قَالَ: أَعْنِي بِهَذَا الْأَمْرِ أَمْرًا حَاصِلًا مِنْ عِنْدِنَا، كَائِنًا مِنْ لَدُنَّا، وَكَمَا اقْتَضَاهُ عِلْمُنَا وَتَدْبِيرُنَا، وَهَذَا الْوَجْهُ أَيْضًا مُمْكِنٌ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ - تَعَالَى -.
قَوْلُهُ - تَعَالَى -: إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ.
قَدْ قَدَّمَنَا الْآيَاتِ الْمُوَضِّحَةَ لَهُ فِي سُورَةِ «الْكَهْفِ» فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ - تَعَالَى -: فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا الْآيَةَ [١٨ \ ٦٥] . وَفِي سُورَةِ «فَاطِرٍ» فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ - تَعَالَى -: مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا الْآيَةَ [٣٥ \ ٢] .
قَوْلُهُ - تَعَالَى -: ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقَالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ.
هَذَا الَّذِي ادَّعَوْهُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - افْتِرَاءً، مِنْ أَنَّهُ مُعَلَّمٌ، يَعْنُونَ أَنَّ هَذَا الْقُرْآنَ عَلَّمَهُ إِيَّاهُ بَشَرٌ، وَأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَجْنُونٌ - قَدْ بَيَّنَّا الْآيَاتِ الْمُوَضِّحَةَ لِإِبْطَالِهِ.
أَمَّا دَعْوَاهُمْ أَنَّهُ مُعَلَّمٌ فَقَدْ قَدَّمَنَا الْآيَاتِ الدَّالَّةَ عَلَى تِلْكَ الدَّعْوَى فِي سُورَةِ «النَّحْلِ» فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ - تَعَالَى -: وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ [١٦ \ ١٠٣] . وَفِي سُورَةِ «الْفُرْقَانِ» فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ - تَعَالَى -: وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ إِلَى قَوْلِهِ فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا [٢٥ \ ٤ - ٥] .
وَبَيَّنَّا الْآيَاتِ الْمُوَضِّحَةَ لِافْتِرَائِهِمْ وَتَعَنُّتِهِمْ فِي سُورَةِ «النَّحْلِ» فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ - تَعَالَى -: لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ [١٦ \ ١٠٣] .
وَفِي الْفُرْقَانِ فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ - تَعَالَى -: فَقَدْ جَاءُوا ظُلْمًا وَزُورًا وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا الْآيَةَ [٢٥ \ ٤ - ٥] .
وَأَمَّا دَعْوَاهُمْ أَنَّهُ مَجْنُونٌ، فَقَدْ قَدَّمَنَا الْآيَاتِ الْمُوَضِّحَةَ لَهَا وَلِإِبْطَالِهَا فِي سُورَةِ «قَدْ