حَيْثُ أَتْبَعَهَا بِقَوْلِهِ: وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الْآيَةَ [٢ \ ٢٤٤] ، وَصَرَّحَ بِمَا أَشَارَ إِلَيْهِ هُنَا فِي قَوْلِهِ: قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذًا لَا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا [٣٣ \ ١٦] ، وَهَذِهِ أَعْظَمُ آيَةٍ فِي التَّشْجِيعِ عَلَى الْقِتَالِ ; لِأَنَّهَا تُبَيِّنُ أَنَّ الْفِرَارَ مِنَ الْقَتْلِ لَا يُنْجِي مِنْهُ، وَلَوْ فُرِضَ نَجَاتُهُ مِنْهُ فَهُوَ مَيِّتٌ عَنْ قَرِيبٍ، كَمَا قَالَ قُعْنُبُ ابْنُ أُمِّ صَاحِبٍ: [الْمُتَقَارِبِ]
إِذَا أَنْتَ لَاقَيْتَ فِي نَجْدَةٍ ... فَلَا تَتَهَيَّبْكَ أَنْ تُقْدِمَا
فَإِنَّ الْمَنِيَّةَ مَنْ يَخْشَهَا ... فَسَوْفَ تُصَادِفُهُ أَيْنَمَا
وَإِنْ تَتَخَطَّكَ أَسْبَابُهَا ... فَإِنَّ قُصَارَاكَ أَنْ تَهْرَمَا
وَقَالَ زُهَيْرٌ: [الطَّوِيلِ]
رَأَيْتُ الْمَنَايَا خَبْطَ عَشْوَاءَ ... مَنْ تُصِبْ تُمِتْهُ وَمَنْ تُخْطِئْ يُعَمَّرْ فَيَهْرَمِ
وَقَالَ أَبُو الطِّيبِ: [الْخَفِيفِ]
وَإِذَا لَمْ يَكُنْ مِنَ الْمَوْتِ بُدٌّ ... فَمِنَ الْعَجْزِ أَنْ تَكُونَ جَبَانًا
وَلَقَدْ أَجَادَ مَنْ قَالَ: [الْبَسِيطِ]
فِي الْجُبْنِ عَارٌ وَفِي الْإِقْدَامِ مَكْرُمَةٌ ... وَالْمَرْءُ فِي الْجُبْنِ لَا يَنْجُو مِنَ الْقَدَرِ
وَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ بِالْآيَاتِ الْمَذْكُورَةِ، وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ عَدَمُ جَوَازِ الْفِرَارِ مِنَ الطَّاعُونِ إِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتِ فِيهَا، وَقَدْ ثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - النَّهْيُ عَنِ الْفِرَارِ مِنَ الطَّاعُونِ، وَعَنِ الْقُدُومِ عَلَى الْأَرْضِ الَّتِي هُوَ فِيهَا إِذَا كُنْتَ خَارِجًا عَنْهَا.
تَنْبِيهٌ
لَمْ تَأْتِ لَفْظَةُ أَلَمْ تَرَ وَنَحْوُهَا فِي الْقُرْآنِ مِمَّا تَقَدَّمَهُ لَفْظُ أَلَمْ، مُعَدَّاةً إِلَّا بِالْحَرْفِ الَّذِي هُوَ إِلَى. وَقَدْ ظَنَّ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ أَنَّ ذَلِكَ لَازِمٌ، وَالتَّحْقِيقُ عَدَمُ لُزُومِهِ وَجَوَازُ تَعْدِيَتِهِ بِنَفْسِهِ دُونَ حَرْفِ الْجَرِّ، كَمَا يَشْهَدُ لَهُ قَوْلُ امْرِئِ الْقَيْسِ: [الطَّوِيلِ]
أَلَمْ تَرَيَانِي كُلَّمَا جِئْتُ طَارِقًا ... وَجَدْتُ بِهَا طِيبًا وَإِنْ لَمْ تَطَيَّبِ
قَوْلُهُ تَعَالَى: مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً، لَمْ يُبَيِّنْ هُنَا قَدْرَ هَذِهِ الْأَضْعَافِ الْكَثِيرَةِ، وَلَكِنَّهُ بَيَّنَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ أَنَّهَا تَبْلُغُ سَبْعَمِائَةِ ضِعْفٍ وَتَزِيدُ