وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ [٥٩ \ ١٩] ، وَنَتِيجَةُ ذَلِكَ فِي الْآخِرَةِ مِنْ عَدَمِ اسْتِوَاءِ الْفَرِيقَيْنِ، فَأَصْحَابُ نَارٍ وَأَصْحَابُ جَنَّةٍ.
وَلَكَأَنَّ الْأَمْثَالَ هُنَا وَالتَّنْبِيهَ عَلَيْهَا إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ أُولَئِكَ بِنِسْيَانِهِمْ لِلَّهِ وَإِنْسَائِهِ إِيَّاهُمْ أَنْفُسَهُمْ، صَارُوا بِهَذَا النِّسْيَانِ أَشَدَّ قَسَاوَةً مِنَ الْجِبَالِ، بَلْ إِنَّ الْجِبَالَ أَسْرَعُ تَأَثُّرًا بِالْقُرْآنِ مِنْهُمْ لَوْ كَانُوا يَتَفَكَّرُونَ.
وَقَدْ قَالَ أَبُو السُّعُودِ: إِنَّهُ أَرَادَ تَوْبِيخَ الْإِنْسَانِ عَلَى قَسْوَةِ قَلْبِهِ وَعَدَمِ تَخَشُّعِهِ عِنْدَ تِلَاوَتِهِ وَقِلَّةِ تَدَبُّرِهِ فِيهِ. اهـ.
وَهَكَذَا بِهَذِهِ الْأَمْثِلَةِ يَنْتَزِعُ الْحُكْمَ مِنَ السَّامِعِ عَلَى أُولَئِكَ الْمُعْرِضِينَ الْغَافِلِينَ بِأَنَّ قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةٌ كَالْجِبَالِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً كَمَا قَدَّمْنَا، بِخِلَافِ الْمُؤْمِنِينَ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ كَمَا قَالَ تَعَالَى: اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ [٣٩ \ ٢٣] .
قَوْلُهُ تَعَالَى: هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ.
جَاءَتْ فِي هَذِهِ الْآيَاتِ الثَّلَاثِ: ذِكْرُ كَلِمَةِ التَّوْحِيدِ مَرَّتَيْنِ، كَمَا ذُكِرَ فِيهَا أَيْضًا تَسْبِيحُ اللَّهِ مَرَّتَيْنِ، وَذُكِرَ مَعَهُمَا الْعَدِيدُ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ الْحُسْنَى وَصِفَاتِهِ الْعُلْيَا، فَكَانَتْ بِذَلِكَ مُشْتَمِلَةً عَلَى ثَلَاثِ قَضَايَا أَهَمِّ قَضَايَا الْأَدْيَانِ كُلِّهَا مَعَ جَمِيعِ الْأُمَمِ وَرُسُلِهِمْ؛ لِأَنَّ دَعْوَةَ الرُّسُلِ كُلَّهَا فِي تَوْحِيدِ اللَّهِ تَعَالَى فِي ذَاتِهِ وَأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ وَتَنْزِيهِهِ، وَالرَّدِّ عَلَى مُفْتَرَيَاتِ الْأُمَمِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى.
فَالْيَهُودُ قَالُوا: عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ [٩] .
وَالنَّصَارَى قَالُوا: الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ [٩] .
وَالْمُشْرِكُونَ قَالُوا: اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا [٢١ \ ٢٦] ، وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا [٤٣ \ ١٩] ، وَقَالُوا: أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute