وَذَكَرَ أَبُو حَيَّانَ قَوْلَ الشَّاعِرِ - وَهُوَ قَيْسُ الرُّقَيَّاتِ -:
مَا نَقَمُوا مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ إِلَّا ... أَنَّهُمْ يَحْلُمُونَ إِنْ غَضِبُوا
وَقَوْلَ الْآخَرِ:
وَلَا عَيْبَ فِيهَا غَيْرَ شُكْلَةِ عَيْنِهَا ... كَذَاكَ عِنَاقُ الطَّيْرِ شُكْلًا عُيُونُهَا
يُقَالُ عَيْنٌ شَكْلَاءُ: إِذَا كَانَ فِي بَيَاضِهَا حُمْرَةٌ قَلِيلَةٌ يَسِيرَةٌ.
وَقَدَّمْنَا أَنَّ نِقْمَتَهُمْ عَلَيْهِمْ لِلْمُسْتَقْبَلِ، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ، لَا عَلَى الْمَاضِي إِلَّا أَنْ آمَنُوا ; لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ لَهُمْ: إِمَّا أَنْ تَرْجِعُوا عَنْ دِينِكُمْ، وَإِمَّا أَنْ تُلْقَوْا فِي النَّارِ، وَلَمْ يَحْرِقُوهُمْ عَلَى إِيمَانِهِمُ السَّابِقِ، بَلْ عَلَى إِصْرَارِهِمْ عَلَى الْإِيمَانِ لِلْمُسْتَقْبَلِ.
وَالْإِتْيَانُ هُنَا بِصِفَتَيِ اللَّهِ تَعَالَى: «الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ» إِشْعَارٌ بِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ قَادِرٌ عَلَى نُصْرَةِ الْمُؤْمِنِينَ وَالِانْتِقَامِ مِنَ الْكَافِرِينَ، إِذِ الْعَزِيزُ هُوَ الْغَالِبُ، كَمَا يَقُولُونَ: مَنْ عَزَّ بَزَّ، وَلَكِنْ جَاءَ وَصْفُهُ بِالْحَمِيدِ ; لِيُشْعِرَ بِأَمْرَيْنِ:
الْأَوَّلُ: أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ آمَنُوا رَغْبَةً وَرَهْبَةً، رَغْبَةً فِي الْحَمِيدِ عَلَى مَا يَأْتِي: «الْغَفُورُ الْوَدُودُ» [٨٥ \ ١٤] ، وَرَهْبَةً مِنَ الْعَزِيزِ كَمَا سَيَأْتِي فِي قَوْلِهِ: إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ، [٨٥ \ ١٢] وَهَذَا كَمَالُ الْإِيمَانِ رَغْبَةً وَرَهْبَةً وَأَحْسَنُ حَالَاتِ الْمُؤْمِنِ.
وَالْأَمْرُ الثَّانِي: حَتَّى لَا يَيْأَسَ أُولَئِكَ الْكُفَّارُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَحْمَتِهِ، كَمَا قَالَ: ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا [٨٥ \ ١٠] ; إِذْ أَعْطَاهُمُ الْمُهْلَةَ مِنْ آثَارِ صِفَتِهِ الْحَمِيدِ سُبْحَانَهُ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ
تَأْكِيدٌ وَبَيَانٌ لِلْعَزِيزِ الْحَمِيدِ، إِذْ لَا يَخْرُجُ عَنْ سُلْطَانِهِ أَحَدٌ، فَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ، وَهُوَ الْمُدَبِّرُ أَمْرَ مُلْكِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ رَبْطٌ بِأَوَّلِ السُّورَةِ: «وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ» [٨٥ \ ٣] ، فَهُوَ سُبْحَانَهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ، وَمِنْ ذَلِكَ فِعْلُ أُولَئِكَ، وَفِيهِ شِدَّةُ تَخْوِيفِ أُولَئِكَ وَتَحْذِيرُهُمْ وَمَنْ عَلَى شَاكِلَتِهِمْ، بِأَنَّ اللَّهَ