وَهَذَا إِنَّمَا وَقَعَ لَهُمْ مِنْ شِدَّةِ الْخَوْفِ مِنْ بَأْسِ الْكَفَّارِ الْمَأْمُورِ بِقِتَالِهِمْ.
وَقَدْ صَرَّحَ - جَلَّ وَعَلَا - بِأَنَّ ذَلِكَ مِنَ الْخَوْفِ الْمَذْكُورِ فِي قَوْلِهِ: فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ [٣٣ \ ١٩] .
وَقَدْ بَيَّنَ تَعَالَى أَنَّ الْأَغْنِيَاءَ مِنْ هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقِينَ، إِذَا أَنْزَلَ اللَّهُ سُورَةً فِيهَا الْأَمْرُ بِالْجِهَادِ، اسْتَأْذَنُوا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي التَّخَلُّفِ عَنِ الْجِهَادِ، وَذَمَّهُمُ اللَّهُ عَلَى ذَلِكَ، وَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُوا بِاللَّهِ وَجَاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُولُو الطَّوْلِ مِنْهُمْ وَقَالُوا ذَرْنَا نَكُنْ مَعَ الْقَاعِدِينَ رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ [٩ \ ٨٦] .
قَوْلُهُ تَعَالَى: أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا.
الْهَمْزَةُ فِي قَوْلِهِ: أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ لِلْإِنْكَارِ، وَالْفَاءُ عَاطِفَةٌ عَلَى جُمْلَةٍ مَحْذُوفَةٍ، عَلَى أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ، وَالتَّقْدِيرُ: أَيُعْرِضُونَ عَنْ كِتَابِ اللَّهِ فَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ ; كَمَا أَشَارَ لَهُ فِي الْخُلَاصَةِ بِقَوْلِهِ:
وَحَذْفُ مَتْبُوعٍ بَدَا هُنَا اسْتَبِحْ
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا «أَمْ» فِيهِ مُنْقَطِعَةٌ بِمَعْنَى بَلْ، فَقَدْ أَنْكَرَ تَعَالَى عَلَيْهِمْ إِعْرَاضَهُمْ عَنْ تَدَبُّرِ الْقُرْآنِ، بِأَدَاةِ الْإِنْكَارِ الَّتِي هِيَ الْهَمْزَةُ، وَبَيَّنَ أَنَّ قُلُوبَهُمْ عَلَيْهَا أَقْفَالٌ لَا تَنْفَتِحُ لِخَيْرٍ، وَلَا لِفَهْمِ قُرْآنٍ.
وَمَا تَضَمَّنَتْهُ هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ مِنَ التَّوْبِيخِ وَالْإِنْكَارِ عَلَى مَنْ أَعْرَضَ عَنْ تَدَبُّرِ كِتَابِ اللَّهِ، جَاءَ مُوَضَّحًا فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا [٤ \ ٨٢] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءَهُمْ مَا لَمْ يَأْتِ آبَاءَهُمُ الْأَوَّلِينَ [٢٣ \ ٦٨] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ [٣٨ \ ٢٩] .
وَقَدْ ذَمَّ - جَلَّ وَعَلَا - الْمُعْرِضَ عَنْ هَذَا الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا [١٨ \ ٥٧] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا [٣٢ \ ٢٢] .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute