وَقَوْلُهُ تَعَالَى: الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ، أَيْ: ثِقَلَهُ، مُشْعِرٌ بِأَنَّ لِلذَّنْبِ ثِقَلًا عَلَى الْمُؤْمِنِ يَنُوءُ بِهِ، وَلَا يُخَفِّفُهُ إِلَّا التَّوْبَةُ وَحَطَّهُ عِنْدَهُ.
وَقَوْلُهُ: وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ لَمْ يُبَيِّنْ هُنَا بِمَ وَلَا كَيْفَ رَفَعَ لَهُ ذِكْرَهُ، وَالرَّفْعُ يَكُونُ حِسِّيًّا وَيَكُونُ مَعْنَوِيًّا، فَاخْتُلِفَ فِي الْمُرَادِ بِهِ أَيْضًا.
فَقِيلَ: هُوَ حِسِّيٌّ فِي الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ، وَفِي الْخُطَبِ عَلَى الْمَنَابِرِ وَافْتِتَاحِيَّاتِ الْكَلَامِ فِي الْأُمُورِ الْهَامَّةِ، وَاسْتَدَلُّوا لِذَلِكَ بِالْوَاقِعِ فِعْلًا، وَاسْتَشْهَدُوا بِقَوْلِ حَسَّانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَهِيَ أَبْيَاتٌ فِي دِيوَانِهِ مِنْ قَصِيدَةٍ دَالِيَّةٍ:
أَغَرُّ عَلَيْهِ لِلنُّبُوَّةِ خَاتَمٌ ... مِنَ اللَّهِ مَشْهُودٌ يَلُوحُ وَيَشْهَدُ
وَضَمَّ الْإِلَهُ اسْمَ النَّبِيِّ إِلَى اسْمِهِ ... إِذَا قَالَ فِي الْخَمْسِ الْمُؤَذَّنِ أَشْهَدُ
وَشَقَّ لَهُ مِنِ اسْمِهِ لِيُجِلَّهُ ... فَذُو الْعَرْشِ مَحْمُودٌ وَهَذَا مُحَمَّدُ
وَمِنْ رَفْعِ الذِّكْرِ مَعْنًى، أَيْ: مِنَ الرِّفْعَةِ، ذِكْرُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي كُتُبِ الْأَنْبِيَاءِ قَبْلَهُ، حَتَّى عُرِفَ لِلْأُمَمِ الْمَاضِيَةِ قَبْلَ مَجِيئِهِ.
وَقَدْ نَصَّ الْقُرْآنُ أَنَّ اللَّهَ جَعَلَ الْوَحْيَ ذِكْرًا لَهُ وَلِقَوْمِهِ، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ [٤٣ \ ٤٣ - ٤٤] ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ ذِكْرَهُ قَوْمَهُ ذِكْرٌ لَهُ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
وَكَمْ أَبٍ قَدْ عَلَا بِابْنٍ ذُرَى رُتَبِ ... كَمَا عَلَتْ بِرَسُولِ اللَّهِ عَدْنَانُ
فَتَبَيَّنَ أَنَّ رَفْعَ ذِكْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، إِنَّمَا هُوَ عَنْ طَرِيقِ الْوَحْيِ، سَوَاءٌ كَانَ بِنُصُوصٍ مِنْ تَوْجِيهِ الْخِطَابِ إِلَيْهِ بِمِثْلِ: يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ [٥ \ ٤١] ، يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ [٨ \ ٦٤] ، يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ [٧٤ \ ١] ، وَالتَّصْرِيحُ بِاسْمِهِ فِي مَقَامِ الرِّسَالَةِ: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ [٤٨ \ ٢٩] ، أَوْ كَانَ فِي فُرُوعِ التَّشْرِيعِ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي أَذَانٍ، وَإِقَامَةٍ، وَتَشَهُّدٍ، وَخُطَبٍ، وَصَلَاةٍ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ النَّصَبُ: التَّعَبُ بَعْدَ الِاجْتِهَادِ، كَمَا فِي قَوْلِهِ: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ [٨٨ \ ٢ - ٣] .ُُ