وَمَقْصُودُهُ بِذَلِكَ كُلِّهِ تَعْظِيمُ أَمْرِ نَفْسِهِ وَتَحْقِيرُ أَمْرِ مُوسَى، وَأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَتْبَعَ الْفَاضِلُ الْمَفْضُولَ.
وَقَدْ بَيَّنَ جَلَّ وَعَلَا: أَنَّ فِرْعَوْنَ كَذَّبَ وَأَبَى، وَهُوَ عَالِمٌ بِأَنَّ مَا جَاءَ بِهِ مُوسَى حَقٌّ. وَأَنَّ الْآيَاتِ الَّتِي كَذَّبَ بِهَا وَأَبَى عَنْ قَبُولِهَا مَا أَنْزَلَهَا إِلَّا اللَّهُ، وَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا [٢٧ ١٤] . وَقَوْلُهُ قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَافِرْعَوْنُ مَثْبُورًا [١٧ ١٠٢] إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ. وَقَوْلُهُ أَرَيْنَاهُ أَصْلُهُ مِنْ رَأَى الْبَصْرِيَّةَ عَلَى الصَّحِيحِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: قَالَ أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يَا مُوسَى.
ذَكَرَ جَلَّ وَعَلَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: أَنَّهُ لَمَّا أَرَى فِرْعَوْنَ آيَاتِهِ عَلَى يَدِ نَبِيِّهِ مُوسَى عَلَيْهِ وَعَلَى نَبِيِّنَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَالَ: إِنَّ الْآيَاتِ الَّتِي جَاءَ بِهَا مُوسَى سِحْرٌ، وَإِنَّهُ يُرِيدُ بِهَا إِخْرَاجَ فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ مِنْ أَرْضِهِمْ.
أَمَّا دَعْوَاهُ هُوَ وَقَوْمُهُ أَنَّ مُوسَى سَاحِرٌ فَقَدْ ذَكَرَهُ اللَّهُ جَلَّ وَعَلَا فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ مِنْ كِتَابِهِ. كَقَوْلِهِ: فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ [٢٧ ١٣] ، وَقَوْلِهِ: فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا إِنَّ هَذَا لَسِحْرٌ مُبِينٌ [١٠ ٧٦] ، وَقَوْلِهِ: إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ [٢٠ ٧١] ، وَقَوْلِهِ: وَقَالُوا يَا أَيُّهَا السَّاحِرُ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ الْآيَةَ [٤٣ ٤٩] ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ.
وَأَمَّا ادِّعَاؤُهُمْ أَنَّهُ يُرِيدُ إِخْرَاجَهُمْ مِنْ أَرْضِهِمْ بِالسِّحْرِ فَقَدْ ذَكَرَهُ اللَّهُ جَلَّ وَعَلَا أَيْضًا فِي مَوَاضِعَ مِنْ كِتَابِهِ. كَقَوْلِهِ تَعَالَى فِي هَذِهِ السُّورَةِ: قَالَ أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يَامُوسَى [٢٠ ٥٧] ، وَقَوْلِهِ فِي «الْأَعْرَافِ» : قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ [٧ ١٠٩ - ١١٠] ، وَقَوْلِهِ فِي «الشُّعَرَاءِ» : قَالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ [٢٦ ٣٤] ، وَقَوْلِهِ فِي «يُونُسَ» : قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاءُ فِي الْأَرْضِ [١٠ ٧٨] ، وَقَالَ سَحَرَةُ فِرْعَوْنَ: إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَنْ يُخْرِجَاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى [٢٠ ٦٣] .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute