للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

رَمَضَانَ أَنْ يَصُومَ يَوْمًا مَعَ الْكَفَّارَةِ، أَيْ: بَدَلَ الْيَوْمِ الَّذِي أَفْسَدَهُ بِالْجِمَاعِ عَمْدًا، رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ، وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ نَحْوَهُ. انْتَهَى كَلَامُ النَّوَوِيِّ.

وَمِنْ أَقْوَى الْأَدِلَّةِ عَلَى وُجُوبِ الْقَضَاءِ عَلَى التَّارِكِ عَمْدًا عُمُومُ الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ فِي سُورَةِ «الْإِسْرَاءِ» الَّذِي قَالَ فِيهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَدَيْنُ اللَّهِ أَحَقُّ أَنْ يُقْضَى» ، فَقَوْلُهُ: «دَيْنُ اللَّهِ» اسْمُ جِنْسٍ مُضَافٌ إِلَى مَعْرِفَةٍ فَهُوَ عَامٌّ فِي كُلِّ دَيْنٍ، كَقَوْلِهِ: وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ الْآيَةَ [١٤ \ ٣٤] ، فَهُوَ عَامٌّ فِي كُلِّ نِعْمَةٍ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الصَّلَاةَ الْمَتْرُوكَةَ عَمْدًا دَيْنُ اللَّهِ فِي ذِمَّةِ تَارِكِهَا، فَدَلَّ عُمُومُ الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّهَا حَقِيقَةٌ جَدِيرَةٌ بِأَنْ تُقْضَى، وَلَا مُعَارِضَ لِهَذَا الْعُمُومِ.

وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: لَيْسَ عَلَى التَّارِكِ لِلصَّلَاةِ عَمْدًا قَضَاءٌ ; لِأَنَّ الْقَضَاءَ يَحْتَاجُ إِلَى أَمْرٍ جَدِيدٍ وَلَمْ يَأْتِ أَمْرٌ جَدِيدٌ بِقَضَاءِ التَّارِكِ عَمْدًا، وَمِمَّنْ قَالَ بِهَذَا ابْنُ حَزْمٍ وَاخْتَارَهُ أَبُو الْعَبَّاسِ ابْنُ تَيْمِيَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَإِلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَشَارَ فِي مَرَاقِي السُّعُودِ بِقَوْلِهِ:

وَالْأَمْرُ لَا يَسْتَلْزِمُ الْقَضَاءْ بَلْ هُوَ بِالْأَمْرِ الْجَدِيدِ جَاءْ لِأَنَّهُ فِي زَمَنٍ مُعَيَّنِ يَجِي لِمَا عَلَيْهِ مِنْ نَفْعٍ بُنِي وَخَالَفَ الرَّازِيُّ إِذِ الْمُرَكَّبْ لِكُلِّ جُزْءٍ حُكْمُهُ يَنْسَحِبْ

تَنْبِيهٌ

سَبَبُ اخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهَا تَجَاذَبَهَا أَصْلَانِ مُخْتَلِفَانِ، فَنَظَرَتْ كُلُّ طَائِفَةٍ إِلَى أَحَدِ الْأَصْلَيْنِ الْمُخْتَلِفَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: الْأَمْرُ بِالْمُرَكَّبِ أَمْرٌ بِأَجْزَائِهِ، وَإِلَيْهِ نَظَرَ الْحَنَفِيَّةُ وَمَنْ وَافَقَهُمْ.

وَالثَّانِي: الْأَمْرُ بِالْعِبَادَةِ فِي وَقْتٍ مُعَيَّنٍ لَا يَكُونُ إِلَّا لِمَصْلَحَةٍ تَخْتَصُّ بِالْوَقْتِ الْمَذْكُورِ، وَإِلَيْهِ نَظَرَ الْجُمْهُورُ، وَمِثْلُ هَذَا مِنَ الْأَشْيَاءِ الَّتِي تَكُونُ سَبَبًا لِلِاخْتِلَافِ فِي الْمَسْأَلَةِ كَمَا أَشَارَ لَهُ الشَّيْخُ مَيَّارَةُ فِي التَّكْمِيلِ، بِقَوْلِهِ:

وَإِنْ يَكُنْ فِي الْفَرْعِ تَقْرِيرَانِ بِالْمَنْعِ وَالْجَوَازِ فَالْقَوْلَانِ

قَوْلُهُ تَعَالَى: جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا، بَيَّنَ جَلَّ وَعَلَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: أَنَّهُ وَعَدَ عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ الْمُطِيعِينَ جَنَّاتِ عَدْنٍ، ثُمَّ بَيَّنَ أَنَّ وَعْدَهُ مَأْتِيٌّ، بِمَعْنَى أَنَّهُمْ يَأْتُونَهُ وَيَنَالُونَ مَا وُعِدُوا بِهِ ; لِأَنَّهُ جَلَّ وَعَلَا لَا يُخْلِفُ

<<  <  ج: ص:  >  >>