للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَالْمَعْنَى لَا تَتَقَدَّمُوا أَمَامَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ: فَتَقُولُوا فِي شَيْءٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا إِذْنٍ مِنَ اللَّهِ، وَهَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ فِيهَا التَّصْرِيحُ بِالنَّهْيِ عَنِ التَّقْدِيمِ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ دُخُولًا أَوَّلِيًّا تَشْرِيعُ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وَتَحْرِيمُ مَا لَمْ يُحَرِّمْهُ، وَتَحْلِيلُ مَا لَمْ يُحَلِّلْهُ، لِأَنَّهُ لَا حَرَامَ إِلَّا مَا حَرَّمَهُ اللَّهُ وَلَا حَلَالَ إِلَّا مَا أَحَلَّهُ اللَّهُ، وَلَا دِينَ إِلَّا مَا شَرَعَهُ اللَّهُ.

وَقَدْ أَوْضَحْنَا هَذِهِ بِالْآيَاتِ الْقُرْآنِيَّةِ بِكَثْرَةٍ فِي سُورَةِ الشُّورَى فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ [٤٢ \ ١٠] ، وَفِي سُورَةِ الْكَهْفِ فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا [١٨ \ ٢٦] ، وَفِي سُورَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ [١٧ \ ٩] ، وَفِي غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْمَوَاضِعِ.

وَقَوْلُهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: وَاتَّقُوا اللَّهَ أَيْ بِامْتِثَالِ أَمْرِهِ وَاجْتِنَابِ نَهْيِهِ.

وَقَوْلُهُ: إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ فَهُوَ سَمِيعٌ لِكُلِّ مَا تَقُولُونَ مِنَ التَّقْدِيمِ بَيْنَ يَدَيْهِ وَغَيْرِهِ، عَلِيمٌ بِكُلِّ مَا تَفْعَلُونَ مِنَ التَّقْدِيمِ بَيْنَ يَدَيْهِ وَغَيْرِهِ.

قَوْلُهُ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ.

سَبَبُ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ، أَنَّهُ لَمَّا قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفْدُ تَمِيمٍ، أَشَارَ عَلَيْهِ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنْ يُؤَمِّرَ عَلَيْهِمُ الْقَعْقَاعَ بْنَ مَعْبَدِ بْنِ زُرَارَةَ بْنِ عَدَسٍ، وَأَشَارَ عَلَيْهِ عُمَرُ أَنْ يُؤَمِّرَ عَلَيْهِمُ الْأَقْرَعَ بْنَ حَابِسِ بْنِ عِقَالٍ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: مَا أَرَدْتَ إِلَّا خِلَافِي، فَقَالَ عُمْرُ: مَا أَرَدْتُ خِلَافَكَ، فَارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ: لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ وَغَيْرِهِ.

وَهَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ عَلَّمَ اللَّهُ فِيهَا الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يُعَظِّمُوا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَحْتَرِمُوهُ وَيُوَقِّرُوهُ، فَنَهَاهُمْ عَنْ رَفْعِ أَصْوَاتِهِمْ فَوْقَ صَوْتِهِ، وَعَنْ أَنْ يَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ، أَيْ يُنَادُونَهُ بِاسْمِهِ: يَا مُحَمَّدُ، يَا أَحْمَدُ، كَمَا يُنَادِي بَعْضُهُمْ بَعْضًا.

وَإِنَّمَا أُمِرُوا أَنْ يُخَاطِبُوهُ خِطَابًا يَلِيقُ بِمَقَامِهِ لَيْسَ كَخِطَابِ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ، كَأَنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>