قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ. ذَكَرَ - جَلَّ وَعَلَا - فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: أَنَّ الشَّيْطَانَ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ الْمُتَوَكِّلِينَ عَلَى اللَّهِ، وَأَنَّ سُلْطَانَهُ إِنَّمَا هُوَ عَلَى أَتْبَاعِهِ الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ، وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ.
وَبَيَّنَ هَذَا الْمَعْنَى فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ، كَقَوْلِهِ: إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ [١٥ \ ٤٢] ، وَقَوْلِهِ: لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ [١٥ \ ٣٩ - ٤٠] ، وَقَوْلِهِ: إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلًا [١٧ \ ٦٥] ، وَقَوْلِهِ: وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ الْآيَةَ [٣٤ \ ٢١] ، وَقَوْلِهِ: وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي [١٤ \ ٢٢] .
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي مَعْنَى السُّلْطَانِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ.
فَقَالَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ: هُوَ الْحُجَّةُ، أَيْ: لَيْسَ لِلشَّيْطَانِ عَلَيْهِمْ حُجَّةٌ فِيمَا يَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ مِنْ عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَيْهِمْ، أَيْ: تَسَلُّطٌ وَقُدْرَةٌ عَلَى أَنْ يُوقِعَهُمْ فِي ذَنْبٍ لَا تَوْبَةَ مِنْهُ. وَقَدْ قَدَّمْنَا هَذَا، وَالْمُرَادُ: بِ: الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ [١٦ \ ١٠٠] ، الَّذِينَ يُطِيعُونَهُ فَيُوَالُونَهُ بِالطَّاعَةِ.
وَأَظْهَرُ الْأَقْوَالِ فِي قَوْلِهِ: هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ [١٦ \ ١٠٠] ، أَنَّ الضَّمِيرَ عَائِدٌ إِلَى الشَّيْطَانِ لَا إِلَى اللَّهِ. وَمَعْنَى كَوْنِهِمْ مُشْرِكِينَ بِهِ هُوَ طَاعَتُهُمْ لَهُ فِي الْكُفْرِ وَالْمَعَاصِي ; كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَابَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ [٣٦ \ ٦٠] ، وَقَوْلُهُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ: يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ [١٩ \ ٤٤] ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ. وَأَمَّا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ فَهُوَ مَا جَعَلُوهُ لَهُ عَلَى أَنْفُسِهِمْ مِنَ الطَّاعَةِ وَالِاتِّبَاعِ وَالْمُوَالَاةِ، بِغَيْرِ مُوجِبٍ يَسْتَوْجِبُ ذَلِكَ.
تَنْبِيهٌ.
فَإِنَّهُ قِيلَ: أَثْبَتَ اللَّهُ لِلشَّيْطَانِ سُلْطَانًا عَلَى أَوْلِيَائِهِ فِي آيَاتٍ ; كَقَوْلِهِ هُنَا: إِنَّمَا سُلْطَانُهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute