دَحَاهَا فَلَمَّا اسْتَوَتْ شَدَّهَا ... سَوَاءً وَأَرْسَى عَلَيْهَا الْجِبَالَا
وَأَسْلَمْتُ وَجْهِي لِمَنْ أَسْلَمَتْ ... لَهُ الْمُزْنُ تَحْمِلُ عَذْبًا زُلَالَا
إِذَا هِيَ سِيقَتْ إِلَى بَلْدَةٍ ... أَطَاعَتْ فَصَبَّتْ عَلَيْهَا سِجَالَا
وَأَسْلَمْتُ وَجْهِي لِمَنْ أَسْلَمَتْ ... لَهُ الرِّيحُ تُصْرَفُ حَالًا فَحَالَا
فَكَانَ عَلَى هَؤُلَاءِ الْعُقَلَاءِ أَنْ يَنْظُرُوا بِدِقَّةٍ وَتَأَمُلٍ، فِيمَا يُحِيطُ بِهِمْ عَامَّةً. وَفِي تِلْكَ الْآيَاتِ الْكِبَارِ خَاصَّةً، فَيَجِدُونَ فِيهَا مَا يَكْفِيهِمْ.
كَمَا قِيلَ:
وَفِي كُلِّ شَيْءٍ لَهُ آيَةٌ ... تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ وَاحِدٌ
فَإِذَا لَمْ يَهْدِهِمْ تَفْكِيرُهُمْ، وَلَمْ تَتَّجِهْ أَنْظَارُهُمْ. فَذَكِّرْهُمْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ. وَهَذَا عَامٌّ، أَيْ: سَوَاءٌ بِالدَّلَالَةِ عَلَى الْقُدْرَةِ مِنْ تِلْكَ الْمَصْنُوعَاتِ، أَوْ بِالتِّلَاوَةِ مِنْ آيَاتِ الْوَحْيِ. وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.
قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ
فِيهِ الدَّلَالَةُ عَلَى أَنَّ الْإِيَابَ هُوَ الْمَرْجِعُ.
قَالَ عُبَيْدٌ:
وَكُلُّ ذِي غَيْبَةٍ يَئُوبُ ... وَغَائِبُ الْمَوْتِ لَا يَئُوبُ
كَمَا فِي قَوْلِهِ: إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ [٥ \ ٤٨] ، وَهُوَ عَلَى الْحَقِيقَةِ كَمَا فِي صَرِيحِ مَنْطُوقِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ الْآيَةَ [٣ \ ٥٥] . وَقَوْلِهِ: ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ [٦ \ ١٦٤] .
وَقَوْلُهُ: ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ [٨٨ \ ٢٦] ، الْإِتْيَانُ بِثُمَّ ; لِلْإِشْعَارِ مَا بَيْنَ إِيَابِهِمْ وَبَدْءِ حِسَابِهِمْ: وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ [٢٢ \ ٤٧] .
وَقَوْلُهُ: إِنَّ عَلَيْنَا، بِتَقَدُّمِ حَرْفِ التَّأْكِيدِ، وَإِسْنَادِ ذَلِكَ لِلَّهِ تَعَالَى، وَبِحَرْفِ «عَلَى» مِمَّا يُؤَكِّدُ ذَلِكَ لَا مَحَالَةَ، وَأَنَّهُ بِأَدَقِّ مَا يَكُونُ، وَعَلَى الصَّغِيرَةِ وَالْكَبِيرَةِ كَمَا فِي قَوْلِهِ: وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ [٢ \ ٢٨٤] .