للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ: أَنَّ رَجُلًا قَامَ يَوْمَ الْفَتْحِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي نَذَرْتُ إِنْ فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكَ مَكَّةَ أَنْ أُصَلِّيَ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ رَكْعَتَيْنِ قَالَ: «صَلِّ هَهُنَا ثُمَّ أَعَادَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: صَلِّ هَهُنَا ثُمَّ أَعَادَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: شَأْنَكَ إِذًا» قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَرُوِيَ نَحْوُهُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَفِي لَفْظٍ لِأَبِي دَاوُدَ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، عَنْ رِجَالٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «وَالَّذِي بَعَثَ مُحَمَّدًا بِالْحَقِّ لَوْ صَلَّيْتَ هُنَا لَأَجْزَأَ عَنْكَ صَلَاةً فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ» اهـ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.

وَلْنَكْتَفِ بِمَا ذُكِرَ هُنَا مِنْ مَسَائِلِ النَّذْرِ لِكَثْرَةِ مَا كَتَبْنَا فِي آيَاتِ سُورَةِ الْحَجِّ مِنَ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ وَأَقْوَالِ أَهْلِ الْعِلْمِ فِيهَا، وَالنَّذْرُ بَابٌ مَذْكُورٌ فِي كُتُبِ الْفُرُوعِ، فَمَنْ أَرَادَ الْإِحَاطَةَ بِجَمِيعِ مَسَائِلِهِ، فَلْيَنْظُرْهَا فِي كُتُبِ فُرُوعِ الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا هُنَا عُيُونَ مَسَائِلِهِ الْمُهِمَّةِ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.

قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ.

فِي الْمُرَادِ بِالْعَتِيقِ هُنَا لِلْعُلَمَاءِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ:

الْأَوَّلُ: أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْقَدِيمُ، لِأَنَّهُ أَقْدَمُ مَوَاضِعِ التَّعَبُّدِ.

الثَّانِي: أَنَّ اللَّهَ أَعْتَقَهُ مِنَ الْجَبَابِرَةِ.

الثَّالِثُ: أَنَّ الْمُرَادَ بِالْعِتْقِ فِيهِ الْكَرَمُ، وَالْعَرَبُ تُسَمِّي الْقَدِيمَ عَتِيقًا وَعَاتِقًا وَمِنْهُ قَوْلُ حَسَّانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -:

كَالْمِسْكِ تَخْلِطُهُ بِمَاءِ سَحَابَةٍ ... أَوْ عَاتِقٍ كَدَمِ الذَّبِيحِ مُدَامِ

لِأَنَّ مُرَادَهُ بِالْعَاتِقِ الْخَمْرُ الْقَدِيمَةُ الَّتِي طَالَ مُكْثُهَا فِي دَنِّهَا زَمَنًا طَوِيلًا، وَتُسَمِّي الْكَرِيمَ عِتْقًا وَمِنْهُ قَوْلُ كَعْبِ بْنِ زُهَيْرٍ:

قَنْوَاءُ فِي حَرَّتَيْهَا لِلْبَصِيرِ بِهَا عِتْقٌ ... مُبِينٌ وَفِي الْخَدَّيْنِ تَسْهِيلُ

فَقَوْلُهُ: عِتْقٌ مُبِينٌ: أَيْ كَرَمٌ ظَاهِرٌ، وَمِنْهُ قَوْلُ الْمُتَنَبِّي:

وَيَبِينُ عِتْقُ الْخَيْلِ فِي أَصْوَاتِهَا

أَيْ كَرَمُهَا،

وَالْعِتْقُ مِنَ الْجَبَابِرَةِ كَالْعِتْقِ مِنَ الرِّقِّ

، وَهُوَ مَعْرُوفٌ.

وَإِذَا عَلِمْتَ ذَلِكَ فَاعْلَمْ: أَنَّهُ قَدْ دَلَّتْ آيَةٌ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ، عَلَى أَنَّ الْعَتِيقَ فِي الْآيَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>