للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَكَالشُّرْبِ فَإِنَّهُ جَمْعُ شَارِبٍ. وَمِنْهُ قَوْلُ نَابِغَةَ ذُبْيَانَ:

كَأَنَّهُ خَارِجًا مِنْ جَنْبِ صَفْحَتِهِ ... سَفُّودُ شُرْبٍ نَسُوهُ عِنْدَ مُفْتَأَدِ

فَإِنَّهُ رَدَّ عَلَى الشُّرْبِ ضَمِيرَ الْجَمَاعَةِ فِي قَوْلِهِ: «نَسُوهُ. .» إِلَخْ، وَكَالسَّفَرِ فَإِنَّهُ جَمْعُ سَافِرٍ ; وَمِنْهُ حَدِيثُ: «أَتِمُّوا فَإِنَّا قَوْمٌ سَفَرٌ» ، وَقَوْلُ الشَّنْفَرَى:

كَأَنَّ وَغَاهَا حَجْرَتَيْهِ وَجَالَهُ ... أَضَامِيمُ مِنْ سَفَرِ الْقَبَائِلِ نُزَّلُ

وَكَالرَّجُلِ جَمْعُ رَاجِلٍ ; وَمِنْهُ قِرَاءَةُ الْجُمْهُورِ: وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ [١٧ \ ٦٤] ، بِسُكُونِ الْجِيمِ. وَأَمَّا عَلَى قِرَاءَةِ حَفْصٍ عَنْ عَاصِمٍ بِكَسْرِ الْجِيمِ، فَالظَّاهِرُ أَنَّ كَسْرَةَ الْجِيمِ إِتْبَاعٌ لِكَسْرَةِ اللَّامِ، فَمَعْنَاهُ مَعْنَى قِرَاءَةِ الْجُمْهُورِ. وَنَحْوُ هَذَا كَثِيرٌ جِدًّا فِي كَلَامِ الْعَرَبِ، فَلَا نُطِيلُ بِهِ الْكَلَامَ. وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.

قَوْلُهُ تَعَالَى: وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمُ الْآيَةَ، بَيَّنَ - جَلَّ وَعَلَا - فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ مِنَّتَهُ عَلَى خَلْقِهِ ; بِأَنَّهُ جَعَلَ لَهُمْ سَرَابِيلَ تَقِيهِمُ الْحَرَّ، أَيْ: وَالْبَرْدَ ; لِأَنَّ مَا يَقِي الْحَرَّ مِنَ اللِّبَاسِ يَقِي الْبَرْدَ. وَالْمُرَادُ بِهَذِهِ السَّرَابِيلِ: الْقُمْصَانُ وَنَحْوُهَا مِنْ ثِيَابِ الْقُطْنِ وَالْكِتَّانِ وَالصُّوفِ. وَقَدْ بَيَّنَ هَذِهِ النِّعْمَةَ الْكُبْرَى فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ ; كَقَوْلِهِ: يَابَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا الْآيَةَ [٧ \ ٢٦] ، وَقَوْلِهِ: يَابَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ الْآيَةَ [٧ \ ٣١] ، أَيْ: وَتِلْكَ الزِّينَةُ هِيَ مَا خَلَقَ اللَّهُ لَهُمْ مِنَ اللِّبَاسِ الْحَسَنِ. وَقَوْلُهُ هُنَا: وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ [١٦ \ ٨١] ، الْمُرَادُ بِهَا الدُّرُوعُ وَنَحْوُهَا، مِمَّا يَقِي لَابِسَهُ وَقْعَ السِّلَاحِ، وَيُسَلِّمُهُ مِنْ بَأْسِهِ. .

وَقَدْ بَيَّنَ أَيْضًا هَذِهِ النِّعْمَةَ الْكُبْرَى، وَاسْتِحْقَاقَ مَنْ أَنْعَمَ بِهَا لِأَنْ يُشْكَرَ لَهُ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ ; كَقَوْلِهِ: وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ [٢١ \ ٨٠] ، وَإِطْلَاقُ السَّرَابِيلِ عَلَى الدُّرُوعِ وَنَحْوِهَا مَعْرُوفٌ. وَمِنْهُ قَوْلُ كَعْبِ بْنِ زُهَيْرٍ:

شُمُّ الْعَرَانِينِ أَبْطَالٌ لَبُوسُهُمُ ... مِنْ نَسْجِ دَاوُدَ فِي الْهَيْجَا سَرَابِيلُ

قَوْلُهُ تَعَالَى: يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا الْآيَةَ، ذَكَرَ - جَلَّ وَعَلَا - فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: أَنَّ الْكُفَّارَ يَعْرِفُونَ نِعْمَةَ اللَّهِ ; لِأَنَّهُمْ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ هُوَ الَّذِي يَرْزُقُهُمْ وَيُعَافِيهِمْ، وَيُدَبِّرُ شُؤُونَهُمْ، ثُمَّ يُنْكِرُونَ هَذِهِ النِّعْمَةَ ; فَيَعْبُدُونَ مَعَهُ غَيْرَهُ، وَيُسَوُّونَهُ بِمَا لَا يَنْفَعُ وَلَا يَضُرُّ، وَلَا يُغْنِي شَيْئًا.

وَقَدْ أَوْضَحَ - جَلَّ وَعَلَا - هَذَا الْمَعْنَى فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ ; كَقَوْلِهِ: قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِّنَ

<<  <  ج: ص:  >  >>