للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا [٣٢ \ ٢٠] ، وَقَوْلُهُ فِي آيَةِ الْحَجِّ هَذِهِ: وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ [٢٢ \ ٢٢] حُذِفَ فِيهِ الْقَوْلُ.

وَالْمَعْنَى: أُعِيدُوا فِيهَا، وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ، وَهَذَا الْقَوْلُ الْمَحْذُوفُ فِي الْحَجِّ صُرِّحَ بِهِ فِي السَّجْدَةِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ [٣٢ \ ٢٠] وَالْمُفَسِّرُونَ يَقُولُونَ: إِنَّ لَهَبَ النَّارِ يَرْفَعُهُمْ، حَتَّى يَكَادَ يَرْمِيهِمْ خَارِجَهَا، فَتَضْرِبُهُمْ خَزَنَةُ النَّارِ بِمَقَامِعِ الْحَدِيدِ، فَتَرُدُّهُمْ فِي قَعْرِهَا، نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْهَا، وَمِنْ كُلِّ مَا يُقَرِّبُ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ وَعَمَلٍ.

قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِي وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ. اعْلَمْ أَنَّ خَبَرَ «إِنَّ» فِي قَوْلِهِ هُنَا: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا [٢٢ \ ٢٥] مَحْذُوفٌ كَمَا تَرَى.

وَالَّذِي تَدُلُّ عَلَيْهِ الْآيَةُ أَنَّ التَّقْدِيرَ: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ، نُذِيقُهُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ. كَمَا دَلَّ عَلَى هَذَا قَوْلُهُ فِي آخِرِ الْآيَةِ: وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ [٢٢ \ ٢٥] وَخَيْرُ مَا يُفَسَّرُ بِهِ الْقُرْآنُ الْقُرْآنُ.

فَإِنْ قِيلَ: مَا وَجْهُ عَطْفِ الْفِعْلِ الْمُضَارِعِ عَلَى الْفِعْلِ الْمَاضِي، فِي قَوْلِهِ: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ.

فَالْجَوَابُ مِنْ أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ، وَاحِدٌ مِنْهَا ظَاهِرُ السُّقُوطِ:

الْأَوَّلُ: هُوَ مَا ذَكَرَهُ بَعْضُ عُلَمَاءِ الْعَرَبِيَّةِ مِنْ أَنَّ الْمُضَارِعَ قَدْ لَا يُلَاحَظُ فِيهِ زَمَانٌ مُعَيَّنٌ مِنْ حَالٍ أَوِ اسْتِقْبَالٍ، فَيَدُلُّ إِذْ ذَاكَ عَلَى الِاسْتِمْرَارِ، وَمِنْهُ: وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ [٢٢ \ ٢٥] ، وَقَوْلُهُ: الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ [١٣ \ ٢٨] قَالَهُ أَبُو حَيَّانَ وَغَيْرُهُ.

الثَّانِي: أَنَّ يَصُدُّونَ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، وَالتَّقْدِيرُ: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا، وَهُمْ يَصُدُّونَ، وَعَلَيْهِ فَالْجُمْلَةُ الْمَعْطُوفَةُ اسْمِيَّةٌ لَا فِعْلِيَّةٌ، وَهَذَا الْقَوْلُ اسْتَحْسَنَهُ الْقُرْطُبِيُّ.

الثَّالِثُ: أَنَّ يَصُدُّونَ مُضَارِعٌ أُرِيدَ بِهِ الْمَاضِي؛ أَيْ: كَفَرُوا وَصَدُّوا. وَلَيْسَ بِظَاهِرٍ.

الرَّابِعُ: أَنَّ الْوَاوَ زَائِدَةٌ، وَجُمْلَةُ «يَصُدُّونَ» خَبَرُ «إِنَّ» أَيْ: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَصُدُّونَ

<<  <  ج: ص:  >  >>